وحيد مبارك: وصفة للنجاح

وحيد مبارك: وصفة للنجاح وحيد مبارك
أكد الناخب الوطني وليد الركراكي خلال الندوة الصحفية التي أعقبت مباراة المنتخب الوطني المغربي ونظيره الإسباني، التي عرفت تأهل الأسود إلى دور الربع في مونديال قطر 2022، أنه «يمنح الحب والمسؤولية لزياش»، مشيرا بشكل ضمني إلى أن اللاعب المغربي قام بدوره على أكمل وجه وقدّم الكثير في مقابل هذا الاحتضان الشعبي العارم له، مبرزا بالقول إنه «يكافئني في الملعب، كباقي اللاعبين، لقد فهموا جميعا أن عليهم تبليل القميص». تصريح لم يكن بالأمر الجديد بالنسبة للمتتبعين لمسار وليد الركراكي كمدرب، بل جاء ليؤكد الفلسفة التي يؤمن بها المتمثلة في الاستثمار في «قلوب» اللاعبين، وينضاف إلى تصريح سابق قال فيه، بخصوص نفس اللاعب، حكيم زياش، إنه «مذهل، ويحتاج الحب والثقة ليموت من أجلك».
تصريحان في لحظتين متفرقتين زمنيا، يرتبطان بنفس التظاهرة مكانيا، أي المونديال، لكنهما جاءا بنفس الحمولة ذات البعد الكيميائي/العاطفي بتفاعلاتها المتعددة، التي تشحذ الهمّة وتعيد زرع الثقة، فتعطي للشخص شحنة قوة مضاعفة، وجرعة طاقة لا متناهية، تنهل مما هو إنساني، أخلاقي، مواطناتي…، لتكون بذلك «منشّطا» يفوق مفعوله كل «المنشّطات العابرة». منشّط مكوناته تحيي الأمل في القلب وسائر أعضاء الجسم، وتعيد ضخ دماء الوطن في شرايينه وتنظيم دورانه، التي ترفع من مستويات «تمغرابيت» فيها، فتجعل الإنسان يحسّ بكينونته وبحضوره وبقيمته، مؤمنا بكل إمكانياته وقدراته، وعلى وعي كامل بأن هناك هدفا يجب أن تبذل لأجله وفي سبيله كل الجهود، وبأن هناك من ينتظرون منه بكل شغف وترقب وحب تحقيقه وسيتقاسمون معه فرحة الإنجاز وطعم الانتصار وحلاوة التتويج.
هذه الروح المفعمة بالأمل، والرسائل المنبعثة من القلب، لم يعبر عنها وليد الركراكي لوحده، لأن زياش كتب بدوره تدوينة، أفصح من خلالها عمّا يختلج صدره وما يشغل باله، والتي جاء فيها «إذا نظرت لمن هم في محيطك ولم تحصل على الإلهام فأنت لست في محيط، بل في قفص»، وكان من خلال رسالته هاته موفقا وحكيما، فقد يبدو للبعض أن الأمر يتعلق بمجرد تغريدة أو قولة عابرة، لكن الأسد المغربي قدّم للجميع وصفة للعلاج من كل الأعطاب، لأنها تحيل على فترة سابقة عاشها بخيباتها ومراراتها بطعم الألم وأخرى يعيشها اليوم عنوانها الفرح والانتصارات بكثير من الأمل.
وصفة جعلت كل لاعبي المنتخب المغربي، يستميتون في الدفاع عن القميص الوطني بمنتهى الشجاعة والقوة، ويواجهون بكل ندّية منتخبات كبرى، مؤكدين على أن عهد الاستصغار قد ولىّ وبأن زمن الاستئساد قد حلّ، فتجاوزوا الإصابات التي تعرضوا لها وآلامهم المتعددة، وذابت ذواتهم الفردية في الروح الجماعية، وتوجهوا نحو شباك الخصوم لتسجيل الأهداف فيها، ومع كل هدف كان يسقط عائق ومركّب نقص وعقدة ما أرضا، ومع كل تصدّ لكرات تستهدف العرين المغربي كان يقع خطاب تبخيس وتيئيس، وفي كل انتصار كانوا يصعدون في ترتيب القلوب التي تنبض حبا بالوطن وتخفق تقديرا لهم، في مدرجات الملعب وخارج أسواره، في قطر وفي المغرب وفي كل بقاع العالم، أينما تواجد المغاربة، الذين خرجوا للشوارع للإشادة بأسود الأطلس، وخرج معهم عاهل البلاد الملك محمد السادس لتقاسم فرحة الانتصار مع الشعب، فكانا قريبين وجنبا إلى جنب، في ملحمة أخرى من ملاحم هذا الوطن الأبيّ المتعددة، بنفس القميص، حاملا جلالته نفس العلم الوطني، الموحّد للمغاربة جميعهم، عرشا ومواطنين.
إنها الوصفة التي اتفق عليها وليد وحكيم وكل صاحب عقل رصين وقلب سليم، التي مكّنت من تحقيق النجاح تلو الآخر في مونديال قطر، والتي تتجاوز ما هو رياضي إلى ما هو أبعد، لتكون بذلك وصفة علاج لكل العلل المرضية، لكل القيود، لكل العقد، لكل الحواجز، لكل ما يكبت الإبداع ويفرمل العطاء ويغلّ الانطلاق، ويسجن الأمل. إن عدو الطموح والخلق والإبداع هو السلبية التي تحول دون تحقيق كل ما هو إيجابي، فتقتل في الفرد كل رغبة للعطاء، بسبب أعطاب نفسية وأنانيات متضخمة، وحبّ للظهور الفردي على حساب كل ما هو جماعي، وهي علل تؤدي دوما إلى النكوص والفشل، في الوقت الذي يمكن تحقيق النجاح والريادة والتميز، بأن يكون القائد قائدا، والمسؤول مسؤولا، والمشرف مشرفا، ليس من منطلق التحكم والأمر والانتصار للذات، بل من باب التجميع والإنصات، والحرص على الصدق والإخلاص، والتحفيز والدعم لتحقيق الإنجازات، التي قد تكون بأيادٍ / أقدام وإمكانيات فردية، لكنها تحقق الغاية والرغبة وتتحقق بالجهود الجماعية.