صافي الدين البدالي: الحكومة المغربية تترجم نصوص الدستور إلى فساد

صافي الدين البدالي: الحكومة المغربية تترجم نصوص الدستور إلى فساد صافي الدين البدالي
في غياب مراقبة برلمانية حقيقية كما هو متعارف عليها في الدول الديمقراطية حيث للبرلمان قوة التواجد التشريعي لحماية الدستور من التجاوز باعتماد مراسيم وقوانين تتنافى والدستور الذي يعتبر قرارا شعبيا ملزما بعد أن تم الاستفتاء في شأنه. في غياب هذا الشرط الديمقراطي في تدبير شؤون البلاد، تعم الفوضى ويتقوى الاستبداد.
ويطغى الفساد وتذهب القيم الإنسانية وتتحول الأخلاق السياسية الى الزندقة السياسية. إن مناسبة هذا القول هو ما تعيشه بلادنا مع حكومة أخنوش وبرلمان الأغلبية والمعارضة المخزنية من تجاوزات لدستور البلاد من خلال قرارات غير ديمقراطية لا تخدم إلا المصالح الشخصية وليس مصلحة الشعب.
فمحاولة الحكومة تجريد المجتمع المدني من دوره كشريك استراتيجي في تخليق الحياة العامة بالبلاد، من خلال مشروع وزير العدل وهبي، الذي يراد به تضييق الخناق على جمعيات حماية المال العام، هو ما يتناقض والفصل 12 من الدستور المغربي الذي جاء فيه "تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون".
و"لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي...". بالإضافة إلى ذلك عمل دستور 2011 الى تأصيل الديمقراطية التشاركية، إذ تضمنت العديد من المقتضيات الدستورية حق المواطن المغربي في المشاركة في اتخاذ القرار. وعليه فإن الفصل الأول من الدستور نص على الديمقراطية المواطنة والتشاركية وجعل منها أحد المقومات والأسس التي يستقيم عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية؛ بالإضافة إلى ذلك مبدأ تخليق العامة والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن الحكومة لا تعتبر المبادئ والأهداف والقيم والمرتكزات الدستورية، مما يعتبر تبخيس لدستور البلاد. وتقرر بما يليق بها وبأصحاب النفوذ بسن قوانين لا دستورية ولا ديمقراطية، وإن مشروع قانون الحكومة الخاص بخلق لجنة مؤقتة لتدبير المجلس الوطني للصحافة لخير دليل على ذلك، وهو ما يعني هروب الحكومة إلى الأمام في حل مشاكل التعثر الذي عرفه المجلس الوطني للصحافة باعتماد الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني لهذا التعثر الذي ما هو إلا عرقلة مقصودة لها خلفيات
سياسوية ومنها محاولة الحكومة التحكم في هذه المؤسسة حتى تكون عند الطلب الحكومي، مما سيفتح الباب على مصراعيه للفساد الإعلامي، وهذا يكشف دأب الحكومة المغربية في نهج سياسة الاستبداد الذي يولد التبعية والتطبيع مع الفساد الإداري والأخلاقي. وإنه من تداعيات تجاوز الدستور هو سوء تدبير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي هي هيئة دستورية مستقلة بمقتضى الفصل 159 من دستور 2011 الذي ينص بشكل عام على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة الواردة في الباب الثاني عشر، حيث تم إحداثها بمقتضى الفصل 36 الذي وسع من مجالات تدخلها حتى تشمل كل أشكال
الانحرافات المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، إلا ان الحكومة لم تقدر أهداف ومرامي هذه الهيئة التي يترأسها رئيس الحكومة الذي لم يعمل على فتح باب الترشيح لهذه المؤسسة في وجه الكفاءات الوطنية ذات الخبرة والاختصاص في المجال حتى لا تصبح مجالا للريع السياسي والمالي وحتى لا تكون منصة حكومية لا تمتلك الاستقلالية المنصوص عليها في الدستور. مما يشجع على الرشوة والفساد، لأن الحكومة منذ توليها تدبير شؤون البلاد بادرت الى التطبيع مع الفساد واقتصاد الريع وحماية القطاع غير المهيكل والتهرب الضريبي. إن حكومة أخنوش أصبحت تتصرف خارج الضوابط الدستورية والقيم الديمقراطية بمباركة الأغلبية البرلمانية والمعارضة البرلمانية المخزنية، مما سيدخل البلاد في ظلمات العالم اللاديمقراطي.
وهو الأمر الذي سيجعل المغرب في وضعية لا يحسد عليها على مستوى الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأيضا أمام هيئات المنتظم الدولي التي تعتبر بأن الديمقراطية تنطلق من احترام الدستور وتنزيل مقتضياته على أرض الواقع !! ومنها تفعيل مبدأ الحريات العامة والحكامة الجيدة وعدم الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة.