أود في هذه السطور تسليط الضوء على قضية يتم تجاهلها رسميا وإعلاميا، ربما عمدا أو جهلا، إلا أنها محل نقاش المختصين في كتبهم ومقالاتهم وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ألا وهي قضية تصنيف الجامعات المغربية ضمن التصنيفات العالمية، والتي احتل المغرب فيها مراتب متأخرة، إذ لم تتمكن أي جامعة مغربية من حيازة مكانة ضمن الألْف جامعة الأولى في تصنيفي “شنغهاي” الصيني و“التايمز” البريطاني. وهذا أمر محزن ومفجع ومحرج.
بداية يتعين التأكيد على أن هذه التصنيفات العالمية للجامعات الصادرة في الولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين تعد من أهم الوسائل التي يتم من خلالها الحكم على المستويات الأكاديمية في قطاع التعليم العالي، وفقا لمعايير وشروط يتم تحديدها بموضوعية علمية.
ونظرا لأهمية احتلال مواقع متقدمة ضمن التصنيفات العالمية فإن معظم الجامعات في مختلف الدول تبذل قصارى جهدها لتوفير المتطلبات اللازمة للتوافق مع المعايير التي تضعها المؤسسات القائمة على التصنيفات والانسجام في أدائها وفقا لها.
وهذه التصنيفات ليس هدفا في حد ذاته، لكنه يعد أداة قياس مهمة لرأسمال الجامعي، فهو جزء أساس من السمعة المهنية وقيمة مضافة لرأسمالها البشري، بوصفه جزءا رئيسيا من اقتصاد المعرفة والابتكار، فالجميع يبحث عن جامعة مرموقة لكي يدرس فيها أو يختارها لدراسة الأبناء، فالتعليم استثمار في الإنسان، بل هو أرقى أشكال الاستثمار، لأنه استثمار في الإنسان، والمغاربة اقبلوا واستثمروا جدا في تعليم الأبناء والذي أضحى عبء ثقيل يكلف المغاربة الغالي والنفيس إلى درجة استنزاف جيوب أغلبهم.
ومن أهم هذه التصنيفات العالمية في عصرنا يذكر تصنيف “شنغهاي" الذي تصدره مؤسسة "شنغهاي" أو ما يعرف بـ "التصنيف الصيني" منذ سنة (2003) وتصنيف “التايمز" الذي تنشره مجلة التايمز البريطانية منذ سنة . (2004).
وفي تصنيف “شنغهاي" الأخير، لم تتمكن ولا جامعة مغربية واحدة حجز مكان لها ضمن تصنيف لأفضل ألف جامعة في العالم، إذ ظل ترتيب الجامعات المغربية متقهقرا في الترتيبات العالمية، بينما تضمنت القائمة 4 جامعات سعودية وجامعتين من الإمارات وجامعة من قطر وجامعة من الأردن وجامعة من سلطنة عمان، بالإضافة للجامعات الأميركية الثلاث في لبنان ومصر والإمارات. فيا ترى ما الذي جعل حال جامعاتنا يتدهور الى هذا الحد وتصبح خارج التصنيف؟.
الجواب واضح، وهو فشل فلسفة التعليم وسياسات التعليم التي اتبعت خلال عقود، رغم توالي إصلاحات هذا القطاع الحساس والمهم الذي يعد العمود الفقري لنجاح الأمم، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا وأمنيا.
والمؤشرات الإحصائية تتكلم! فماذا يعني الفساد الذي تسرب إلى جامعاتنا، وماذا يعني ضعف ثقافة البحث العلمي والنزاهة الاكاديمية، وقلة الإنتاج العلمي وعدد براءات الاختراع، وضعــف البنيــة التحتيــة وزيــادة الكثافة الطلابية والهدر الجامعي، إضافة إلى عجــز في التمكــن اللغـوي وفي التكنولوجيـا الحديثـة وضعـف وســائل الاتصال والإعـلام والرقمنــة.
من هذه المؤشرات يتضح جليا أن هناك عدة صعوبات ومعوقات تواجه الجامعات المغربية تحول دون مجاراتها الجامعات العالمية في الحصول على مواقع متقدمة في هذه التصنيفات.
وهذا من شأنه مستقبلا زيادة نزيف الأدمغة المغربية للخارج، كما ستؤدي إلى تحول العاجزين عن الالتحاق بالجامعات لإكمال دراستهم إلى قنابل اجتماعية موقوتة تهدد نمو الاقتصاد وسلامة المجتمع، لأن هذه الشرائح تشكل بيئة خصبة لاحتضان أعمال العنف الاجتماعي بمختلف أشكاله، كما يشكلون إضافة تزيد من جيش المعطلين عن العمل، فهؤلاء لا يملكون ما يخسرونه بعد أن قضوا حياتهم في المدرسة ولم يتسربوا منها باكرا لتعلم مهنة حرة، وفقدوا أي أمل بإكمال تعليمهم الجامعي الذي يعينهم على تحصيل عمل لائق يضمن لهم تحصيل لقمة العيش في المستقبل.
وللخروج من الوضع المتردي الحالي المطلوب التفكير في سبل إصلاح جامعاتنا، وأيضا المطلوب الاهتمام بالتصنيفات العالمية المرموقة مثل "شنغهاي وتايمز"، والتي ما زالت صعبة المنال على جامعاتنا باستثناء بعض الجامعات في محاور فرعية… ويبقى التطوير والإصلاح مطلب الجميع لتعليمنا العالي وجامعاتنا.
ومهما يكن هذا الجدل والخلاف حول التصنيفات والجدوى منها إلا أن أنظمة تصنيف الجامعات باتت حقيقة قائمة تحظى باهتمام من قبل جميع الجهات التي تعنى بالتعليم العالي، سواء أكانوا طلبة أم أرباب عمل أم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
إذن لا يجوز التقليل من أهمية التصنيفات العالمية، بل يتعين على الجامعات المغربية الاهتمام بالأمر وبالخصوص إيلاء الجانب البحثي من عملها أهمية أكبر، حتى يكون التنافس العلمي حافزا ودافعا ورافعا لجامعاتنا.
وفي النهاية نتساءل إلى متى سيظل هذا هو حال جامعاتنا؟ فمنذ أن بدأت عملية تقييم وترتيب الجامعات عالميا على مختلف الترتيب ابتداء من ترتيب العشر الأوائل، فالخمسين، فالمائة إلى الألف، لم تأخذنا الغيرة ولو قليلا، ولم نقم بما هو مطلوب في وقتها لتنشيط الابتكار وتحسين جودة التعليم، وتخريج طلبة أكفاء مزودين بالعلم والمعرفة والخبرة الضرورية.