يلاحظ المتتبع بقضايا الجالية بروز نقاش ليس بجديد على هده الفئة من المواطنين وهو ما يخص التبادل الالي للمعطيات المالية والضريبة، وقد أخذا هذا الموضوع حيزا كبيرا لدرجة أن البعض وضعه ضمن الأولويات، وتتميز خصوصية هذه الأصوات كونها آتية من فاعلين مختلفين سواء سياسيين، جمعويين حقوقيين، اعتبروا أن انضمام المغرب إلى هده الاتفاقية سيشكل كارثة كبرى على مغاربة الخارج بل دهب البعض الاخر إلى القول بأنها مس بحقوقهم.
وأمام هدا التوتر الجديد كان لابد أن ننخرط في سبر أغوار هده المسألة بعيدا عن التسرع، الانفعالية واخد الوقت الكافي من اجل فهم عميق لا فقط لأننا ننتمي إلى هده المنظومة ولكن أيضا إلى إعادة تركيب النقاش وفق منظور الحقوق والواجبات التي تشكل في اعتقادي المدخل السليم لمقاربة هدا الموضوع والمحدد الاهم الدي ي يثير الانتباه ويساءل العقل كمدخل لترجمة ما يؤمن به مغاربة العالم في مقاربة مشاكلهم الحقيقية.
إن هدا النظام الجديبد مهم للغاية في الضرائب الدولية اليوم. أعني نظام تبادل المعلومات CRS الموجود بين أكثر من 100 دولة حول العالم. لذلك من الواضح أن تنفيذ أي نوع من التخطيط الضريبي الدولي، دون مراعاة هذا الجانب، يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مرضية وعسكرية. أن الهدف منه هو الذهاب ومحاربة التهرب الضريبي على مستوى عالمي. ما يهم اليوم هو التهرب من دفع الضرائب حيثما كان ذلك مستحقًا، ولم يعد الطرح من الالتزامات الضريبية التي تتصورها كل دولة على حدة. لذلك أقامت الإدارات المالية في الدول المختلفة علاقة تعاون وثيق بشكل تدريجي. إنها علاقة تقوم على اعتماد قواعد مشتركة وعلى زيادة فعالية تبادل المعلومات.
من ناحية، أدت هذه العملية إلى مراجعة المادة 26 من الاتفاقية النموذجية التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لتجنب الازدواج الضريبي فيما يتعلق بضرائب الدخل والثروة ولمنع التهرب الضريبي الدى أصبح آفة تؤرق كل دول العالم على اعتبار أن الأموال أصبحت تنتقل في ظرف ثوان معدودة ومن ناحية أخرى، السماح لدولة ما بتبادل المعلومات المالية المتعلقة بالأجانب بانتظام، مثل أسمائهم وعناوينهم وأرقام تعريفهم الضريبية ومعلومات عن أرصدة حساباتهم، مع سلطات البلد الأصلي لصاحب الحساب.
بعد قولي هذا، حان الوقت للذهاب ومعرفة ما يستلزمه تطبيق CRS للمواطنين المغاربة بالمهجر، على دخلهم أو الحسابات الجارية الأجنبية، بصيغة أخرى ماذا يخشى مغاربة الخارج من عملية انضمام المغرب لهده الاتفاقية؟ الاجابة ببساطة ان الكثير حتى لا نقول كل المهاجرين لا يصرحون بممتلكاتهم وحساباتهم البنكية في بلد اقامتهم كما تنص عليه القوانين الأوروبية، ولتقريب الصورة أكثر سندرج ايطاليا نموذجا. في هذا البلد وعند بداية كل سنة يلجأ المواطنون إلى إعداد ما يسمى مؤشر للوضع الاقتصادي المكافئ، وهو المعروف اختصارا باسم Isee ويتم حسابه بناء على الدخل السنوي لكل الاسرة و20بلمؤة من كل الأموال المنقولة وغير المنقولة.
وشهادة ISEE هي المفتاح الرئيسي للوصول إلى العديد من أشكال الدعم المصممة للأشخاص أو العائلات التي تواجه صعوبات. وهي مساعدات يمكن أن تأتي من الدولة أو من البلديات والتي تشمل أيضًا تخفيض بعض الرسوم الجمركية على الخدمات العامة. (-التعويضات العائلية -بدل الأمومة-تخفيض تعرفة التغذية المدرسية ودور الحضانة-المساعدة في اقتناء الكتب المدرسية-التخفيض على الرسوم الجامعية والمنح الدراسية-التخفيض من فاترة الكهرباء والغاز والمياه-تخفيض ضريبة النفايات-دخل المواطنة-معاش المواطن وهو معاش تكميلي.- الخدمات الصحية الاجتماعية وغيرها من الإعانات الأخرى).
ادن هده المساعدات الاقتصادية تثير شهية الكل بدون استثناء، لكن منحها يتطلب عدم تجاوز المؤشر الاقتصادي قيمة تحددها الدولة في كل موازنة مالية سنوية. مما يدفع الشخص إلى عدم التصريح بكل الممتلكات خاصة تلك الموجودة بالمغرب حتى يحصل على ما يعتبره حقا له في بلد الإقامة، لكن يبقى السؤال الجوهري المطروح، هل هناك حقوق دون واجبات؟
أكيد أن الحقوق والواجبات أمران يسيران بالتوازي فالحقوق تصبح بلا معنى في غياب الواجبات والحقوق تنطوي على الالتزام بالواجبات ومن واجب الشخص ان لا يتحايل على القانون وبصيغة أخرى لا يجب أن يثقل ميزان الحقوق منه على الواجبات وإلا ستطغى الأنانية وستضع بينك وبين احتياجات الطرف الآخر فاصلا الامتثال للواجب، أكيد أن الحقوق مقدسة ويجب حمايتها. لكن إذا واصلنا العيش على الحقوق وحدها، فسنموت من أجل الحقوق. لأن "تطور النوع" هذا سيخلق جيلًا أضعف بكثير من الجيل السابق، جيل غير شجاع، يعيش على أمل أن يقوم شخص آخر بشيء ما دعونا نضع في اعتبارنا أن الحياة، سواء أحببت ذلك أم لا، يمكن أن تكون قاسية وستقدم لنا دائمًا فاتورة ما قمنا به، إن ما يحصل عليه الشخص اليوم من حقوق إنما هي حصاد ما يدفع الآخرون من واجبات، فصلابة دولة الرفاهية تقوم على ركيزتين: العدالة "الأفقية" للعبء الضريبي وفوائدها، واستقرار المالية العامة. المبدأ الأول يعني أن المواطنين في نفس الوضع الاقتصادي يجب أن يعاملوا بنفس الطريقة من قبل السلطات الضريبية، واستقرار الحسابات يعني أن الإنفاق الاجتماعي يجب ألا يثقل بشكل متزايد على الأجيال القادمة. إذا فقدت هذه الشروط، ينهار الميثاق الاجتماعي، ويفقد المواطنون كل شهية للتضامن ويصبح مفهوم العدالة الاجتماعية مجرد شعار وبالتالي فإن الأسر التي تدفع (والتي غالبًا ما تكون أسرًا ذات دخل مرتفع) تقلل حصتها في تمويل السلع الجماعية.
أخيرًا، على المستوى السياسي ، يمكن أن تؤدي النتائج السيئة للإجراءات التي تتخذها بعض الدول لمكافحة التهرب الضريبي إلى زيادة الشعور بعدم الثقة تجاه السلطة العامة. وهو ما يحفز غير المستفيدين البحث عن طرق أخرى لاحتواء العبء الضريبي، "لتحقيق العدالة بأيديهم". لذلك جاءت هده الاتفاقية للتأكد من عدم تخلف أحد عن ركب أداء ما عليه من واجبات.
وللإشارة فإن المجتمع المدني الأوروبي يضغط في اتجاه الإسراع في تطبيق تبادل المعطيات والبيانات لأغراض ضريبة لآنها أساس العدالة الاجتماعية في أوروبا عكس ما تابعناه من فاعلين داخل منظومة مغاربة العالم.!!!!؟
عبدالله جبار، باحث في قضايا الهجرة