تتوالى الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء تباعا، وتتلاحق الأحداث السياسية الدولية في عالم مضطرب بسرعة قياسية وبشكل متقلب، وبالموازاة مع ذلك، عرفت قضية الصحراء المغربية في الآونة الأخيرة مسارا متميزا كنتيجة حتمية لصمود الدبلوماسية المغربية، التي نهجت منهج الواقعية والعقلانية في التعاطي مع هذه القضية المفتعلة التي طال امدها وفوتت الكتير من فرص التنمية وتكتل الشعوب المغاربية، تأسيسا على ذلك وخاصة بعد إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه بمقتضى مرسوم رئاسي مذيل بالصيغة التنفيذية وموثق بالسجل الفيدرالي، قررت دولة إسرائيل كشف الحقائق وبدون تردد والإعتراف بالحقوق التاريخية المشروعة للمغرب على أقاليمه الجنوبية ودراسة إمكانية فتح قنصلية بمدينة الداخلة، بالموازاة مع ذلك، تم تعيين ملحق عسكري ينحدر من أصول مغربية ويتقن التواصل باللهجة المغربية.
هذا الاعتراف خلف الكتير من ردود الفعل، على رأسها الموقف الجزائري وموقف جبهة البوليساريو بتبني أسلوب التهديد والتلويح باللجوء إلى الحرب.
وإذا كان موقف الجبهة لا قيمة له لا من الوجهة السياسية أو القانونية أو العسكرية ، فإن الموقف الجزائري يبقى دائما في متناول التوقع لانه يحاول باسهاب وقدر الإمكان الربط التعسفي بين القضية الفلسطينية وقضية الصحراء بشكل لايستوي بالشكل الذي استوى عليه .
تبعا لذلك، فالقضية الفلسطينية قضية كل العرب والأمة الإسلامية جمعاء، وبلغة الأرقام فإن ما قدمه المغرب لخدمة هذه القضية يبقى مشهودا وملموسا لا ينكره إلا جاحد ، فالراحل الحسن التاني كان أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممتل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن ملك المغرب محمد السادس هو من يترأس لجنة بيت مال القدس التي تقدم العديد من الخدمات الصحية والثقافية والإجتماعية للمقدسيين، ولعل الإرتباط العاطفي للمغاربة بفلسطين تزكيه الهبات والوصايا والأوقاف العقارية التي سخروها للمسجد الأقصى عبر التاريخ، وكتيرا ما استضاف المغرب العديد من القمم العربية في إطار جامعة الدول العربية خدمة للقضية الفلسطينية. ولذلك فإن من حق المغرب الدفاع عن مصالحه وقضاياه المصيرية بكل السبل المتاحة بصفته دولة ذات سيادة مستقلة في اتخاد القرارات الإستراتيجية والمصيرية للدفاع عن وحدته الترابية، وبالبناء على ذلك فالقضية الفلسطينية قضية مشروعة وعادلة، لا يمكن ربطها بتاتا بالجمهورية الصحراوية المزعومة التي لا تحضى بأية وضعية قانونية على مستوى مجلس الأمن والامم المتحدة، باعتباره كيان وهمي وحركة انفصالية ذيلية توجد في علاقة تبعية للجزائر، لأن قاطني مخيمات تندوف رهائن محتجزين غير قادرين على التعبير عن رغبتهم للإنضمام إلى الوطن الأم كنتيجة حتمية للقمع الممنهج في حقهم والمعاناة مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والابادة الجماعية.
ومن باب الهراء والاستخفاف الربط بين قضية عادلة وقضية مفبركة من إنتاج العساكر قوامها مناهضة المغرب في صحرائه والاعتداء المادي على حقوقه في إطار نظرية الغصب ومؤامرة التوسع الذي يغذيه حقد تاريخي دفين، فماذا قدمت الجزائر للشعب الجزائري غير الشعارات الثورية كذريعة للإنتهازية والمتاجرة بقضايا الشعوب، ما موقف الجزائر من تحطيم سوريا وما موقفها من احتلال جزيرة موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى من قبل إيران، والتي تعتبر تاريخيا أراضي تابعة لسيادة الإمارات العربية المتحدة ، وماذا عن موقفها بخصوص جميع الدول العربية التي ارتات تجسير العلاقات مع إسرائيل؟
كل هذه المواقف تندرج في إطار التدليس السياسي وتضليل الرأي العام ودغدغة العواطف والهاء الشعب الجزائري عن قضاياه الكبرى بأفتعال عدو كلاسيكي اسمه المغرب لكنه مجرد توجه وأهم يؤجل ولايحسم.
ومن باب الاستخلاصات يمكن استجلاء مايلي=:
- كلما ارتفع سعر الغاز والبترول إلا وتصاعد العداء والحقد الجزائري ضد المغرب.
- الأنظمة العسكرية عبر التاريخ لا تنتج إلا الخراب والدمار وتمر على شعوبها مرور التتار والمغول على بغداد.
- مرتكزات العلاقات الدولية في عالم مضطرب لاتؤمن إلا بلغة المصالح بعيدا عن البعد العاطفي واستغفال الشعوب .
- شعار عصابة البوليساريو ضد محتجزي تندوف بأمر من الجزائر إما نحكمكم أو نذبحكم .
- الدبلوماسية الناعمة التي نهجها المغرب تتمتل في عدد الأصدقاء الذين نكسبهم ولا قيمة للأعداء الذين نفقدهم .
- التاريخ يذكر ويتذكر أن الملك الراحل الحسن التاني صرح في إحدى مقابلاته الصحفية "ما يعلمه كتير من الإسرائيلين انني أتزعم حزبا سياسيا داخل إسرائيل" في إشارة ذكية لمليون مواطن اسرائيلي ينحدرون من أصول مغربية .
- المكون اليهودي جزء أساسي من الثقافة المغربية ومن حق اليهود المغاربة تشكيل لوبي ضاغط للدفاع عن مصالح وطنهم الأم بما أنهم أصبحوا من صناع القرار باسرائيل. حيث في واقعة تاريخية نادرة سبق لمجموعة من الضباط اليهود المنحدرين من أصول مغربية مراسلة الحسن التاني من أجل السماح لهم للمشاركة في الحرب إلى جانب الجيش المغربي الذي كان في مواجهة شرسة ضد مسلحي البوليساريو بمساندة تشكيلات عسكرية من كوبا والفيتنام وغيرها من دول المعسكر الشرقي التي كانت تساند الحركات الانفصالية المسلحة.
- سبق للمناضل عبد الرحمان اليوسفي أن تنبأ بالانتصارات والمكاسب الدبلوماسية التي سيحققها المغرب في عهد الملك محمد السادس في تصريح لجريدة لوفيكارو "أن الملك محمد السادس يدرك أكثر من غيره قضية الصحراء المغربية.... إن هذا الملك الشاب سيفاجئكم سوف ترون...."
وفي خطاب مؤتر للراحل الملك الحسن الثاني: فوصيتي إليكم جميعا لمن هو أكبر مني سنا ولمن هو أصغر مني سنا ، لاتنسوا الصحراء وإياكم أن تنسوها، لأنه من قرأ تاريخ المغرب يعرف أن الخير كله يأتي من الصحراء وأن الشر كله يأتي من الصحراء...."* فماذا قدمت الجزائر للشعب الفلسطيني؟
** د. محمد عزيز خمريش باحث أصدر مؤلفا بعنوان
"دبلوماسية الانتصارات في عهد الملك محمد السادس المغزى والمآلات "