بعد قرون من الاحتلال التركي ، وعقود من الاستعمار الفرنسي ، وستين سنة من حكم عسكري عنيف ومتخلف ، ها هي جزائر « الشهداء » تطالب بحماية أجنبية جديدة ... قال رئيس الجمهورية الجزائرية مخاطبا زعيم الروس بوتين ... « إن صون استقلالنا يأتي بمساعدة قوية من روسيا الصديقة بتسليحنا والدفاع عن حريتنا ... » .
كان من المنتظر أن يقوم الرئيس الجزائري، في منتصف يونيو ، بزيارة رسمية لفرنسا بعد تأجيلها عدة مرات ... وعوض باريس توجه تبون إلى موسكو معترفاً أنه « تعرض لضغوطات دولية لكنها لم تؤثر على الصداقة مع روسيا » وذلك في رسالة واضحة إلى أمريكا وفرنسا واصطفافا صريحا إلى جانب بوتين . وتقول كواليس اللقاء بأن روسيا اشترطت لاستقبال الرئيس الجزائري « الإعلان رسميا عن الوقوف إلى جانب روسيا وهي تخوض حربا شرسة ضد الغرب عبر المواجهة في أوكرانيا ... وأن توقع على طلبات جديدة من الأسلحة وأن تدفع فوراً ما بذمتها من ملايير الدولارات ، مضيفة بأنها « غير راضية على محاولة الجزائر المساومة على صداقتها مستعينة بفرنسا ... ونبهت موسكو إلى أنها قد تكون مضطرة ، نظرا لظروف الحرب ، إلى إيقاف تصدير الذخائر وقطع الغيار للأسلحة الروسية المؤطرة للجيش الجزائري » .
فوراً قرر العسكر الجزائري إلغاء زيارة تبون إلى باريس وبرهنوا على عدائهم لفرنسا بإضافة فقرة استفزازية ، في النشيد الوطني ، إدانة لمستعمرهم القديم ، بل اتهموا باريس ، بعقد اجتماع سري في تل أبيب ، ضم المغرب وإسرائيل وفرنسا ، بهدف زعزعة الاستقرار في عدد من المناطق الجزائرية ... بعد ذلك مباشرة طار تبون إلى موسكو وانتظر يومين قبل لقاء بوتين ، جدد خلالها ، في الكواليس ، استعداده للاستجابة لرغبات الكرملين ...
في كلمة نقلتها وسائل الإعلام الجزائرية قال تبون : « إن علاقتنا معكم لم تتغير ما يفوق عن ستين سنة والجزائر وفية أكبر الوفاء لهذه الصداقة » وأضاف مستعطفا ... « إننا أمام وضع مضطرب جدا ، لذلك نريد التعجيل بدخولنا لمنطقة البريكس ... حتى ندخل في تنظيم آخر عن الدولار والأورو .. » وليكون أكثر تقربا من بوتين اعترف علانية ... « إننا ندعم الوجود العسكري الروسي في مالي وكذا نفس الموقف حيال الوضع في ليبيا ... » ... بهذا الانبطاح حاول استرخاء بوتين لتعزيز فرصة دخوله إلى البريكس ...
تابع الملاحظون باستغراب كلمة الرئيس الجزائري التي ارتجلها ، وبدا فيها مضطربا ومتلعثما وكأنه تلميذ في امتحان شفوي أمام « أستاذ » صارم وشرس .. وبالتالي تناسلت الأسئلة حول هذا الاستسلام على الهواء مباشرة ... فهل ستتحول الجزائر إلى قاعدة عسكرية واستخباراتية روسية ... ؟ إن الجواب بسيط يمكن استنتاجه من خطاب تبون أمام اللقاء الاقتصادي المنعقد في روسيا ، حين قال ... « إننا سنسهل دخولكم ومصالحكم في إفريقيا والعالم العربي وأوروبا » .. ومعنى ذلك أن تبون يريد تحويل بلاده إلى مركز عبور لخدمة المصالح الروسية مقابل ما طالب حين قال ... « إن صون استقلالنا يأتي بمساعدة قوية من روسيا الصديقة بتسلحينا والدفاع عن حريتنا .. » .
لكن أحد المحللين ذهب للقول بأن ماكرون في قرارة نفسه لا يرى في تبون إلا « فأر تجارب » بل فرصة للتوفر على « عميل طيع » يوهم بوتين بأنه غير محاصر ....
غير أن الأمريكيين ، المتحكمين ، في سيرورة الحرب في أوكرانيا ، يعملون على هزيمة الجيش الروسي ، وتحجيم روسيا ، والإطاحة ببوتين الذي اعتبره الرئيس بایدن ، « مجرم حرب » .. وترى أمريكا في زيارة تبون انحيازا إلى العدوان الروسي ، على أوكرانيا ، وبالتالي لابد من معاقبة صارمة لروسيا وإدانة الذين يقفون إلى جانبها ، بل يعتبر الأمريكيون وحلفائهم بأن الرغبة في مغادرة مجال الدولار هو بمثابة إعلان حرب على أمريكا .
لذلك نجد عددا من المحللين السياسيين يتساءلون ... هل فقد العسكر الجزائري البوصلة داخليا بقمع الحريات وملإ السجون وتجييش وسائل الإعلام وتكديس العساكر ... ؟ هل رهنوا مستقبل البلاد بأن حولوا الجزائر إلى ثكنة عسكرية أجنبية ؟ ومن بين الأسئلة ... ماذا ربحت الجزائر ؟ وما هي تبعات هذه المغامرة التي قد تبدو انتحاراً ، على علاقات الجزائر الدولية وبالتالي ما هي تكاليف ذلك على مصالحها ؟ وأخبر المسكين ماكرون ، سيحنّ إلى قبلاته المتكررة على خذ تبون الذي خانه واختار عيون بوتين .