محمد الكيحل: الأبعاد البيئية والجيوسياسية في الخطب والرسائل الملكية    

محمد الكيحل: الأبعاد البيئية والجيوسياسية في الخطب والرسائل الملكية     محمد الكيحل
بمناسبة  الذكري الرابعة والعشرين لعيد العرش،  فعلاوة عن استحضار المنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المملكة في عهد جلالة الملك محمد السادس، لا بد كذلك من استحضار المجهودات الملكية الجبارة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، في هذه الورقة سوف لن نستعرض الأوراش البيئية المتمثلة في مجموعة من الاستراتيجيات والمخططات والبرامج الحكومية في هذا المجال والتي تستمد فلسفتها ومنطلقاتها ومبادئها من التوجهات الملكية السامية، وإنما سنستحضر بالخصوص  البعد البيئي في  بعض من الخطب والرسائل الملكية السامية وهي عديدة وتطال مجالات بيئية متنوعة، حيث لا يكاد  أي خطاب يخلو من ابعاد ودلالات بيئية تلامس مختلف القضايا البيئية بتبصر وحكمة وبعد ونفس استراتيجي.
  فسيرا على نهج سلفه الملك الراحل الحسن الثاني والذي شهد له العالم بعبقرته في المجال البيئي ولا سيما الجانب المتعلق بالماء، كيف لا و الملك الراحل يعد من الزعماء السياسيين الذي كرس جانب كبير من تفكيره وأنشطته للاهتمام بالماء ودعوته إلى المحافظة عليه. ولعل سياسة السدود تعد خير دليل على تجليات هذا الاهتمام. 
  وقد بقيت قضية تدبير واستغلال الموارد المائية تحظى باهتمام بالغ من قبل الملك الحسن الثاني إلا أن وافته المنية في أواخر التسعينات من القرن المنصرم.  وقد تقوى هذا الاهتمام والاتجاه وتكرس أكثر في عهد خلفه جلالة الملك محمد السادس، حيث لم يخرج جلالته عن نهج والده في هذا المجال، فلا تكاد تخلو خطب ورسائل جلالته من الحديث عن موضوع الماء والقضايا البيئية بشكل عام. 
وبالرجوع إلى الخطب الملكية السامية نجدها تتطرق بشكل شمولي وتلامس بعمق التحديات البيئية والقضايا المتفرعة عنها؛ وفي مقدمتها مسألة تدبير الماء ومعالجة التلوث ومواجهة مختلف الأخطار البيئية.  بل إننا نجد في خطب جلالته توجيهات وإرشادات نظرية وتدابير وإجراءات عملية شكلت بكل صدق المرجعية الأساسية لتوجهات السياسات العمومية في مجال الماء والبيئة والتنمية المستدامة. 
إلا أنه وبالنظر إلى كثرة وغنى الخطب والرسائل الملكية ذات الصلة بميادين الماء والبيئة والتنمية المستدامة، فإننا سنركز على تلك التي لها علاقة بصفة مباشرة بمجال تدبير الماء وبمكافحة التصحر والتغيرات المناخية وهي قضايا ذات راهنية كبيرة.
فتماشيا مع التوجهات الملكية السامية في مجال مواجهة التغيرات المناخية وبالنظر إلى كون المغرب يعاني على غرار البلدان الأخرى من الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة، بحكم خصوصيات موقعه الجغرافي وأنظمته البيئية المتسمة بالهشاشة، فإن بلادنا أكدت أكثر من مرة عن انخراطها الواعي والمسؤول للفت الانتباه لخطورة التحديات البيئية وهذا ما تجلى في المشاركة القوية للمغرب في مؤتمر قمة الأرض المنعقد ب" ريودي جانيرو" سنة 1992 من خلال مشاركة الملك محمد السادس - باعتباره ولي العهد آنذاك- في أشغال هذه القمة وكذا من خلال المساهمة الفعلية لبلادنا في إعداد الاتفاقيات المتعلقة بالتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والغابات ومحاربة التصحر.
 فيهذا الصدد يقول جلالته بمناسبة انعقاد أشغال الجمع العام لمرصد الصحراء والساحل:
 ".. ولأننا نعيش ظرفية تتهددها مخاطر جديدة ترتبط بالتحولات المناخية وتفاقم ظاهرة التصحر يتعين علينا أكثر من أي وقت مضى العمل على حماية مواردنا الطبيعية والحفاظ عليها حتى نمكن الأجيال المقبلة من العيش في عالم يطبعه التضامن والرخاء... نحن اليوم على بينة من أن الموارد المائية هي مفتاح التنمية في بلداننا وبقدر ما تعد هذه الموارد نادرة بقدر ما تمثل رهانا أساسيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن تم فإنها تشكل مصادر توتر داخل بلد من بلداننا وكذلك فيما بين البلدان التي تتقاسمها. ولذا علينا- يضيف جلاله- أن نعمل جاهدين حتى لا يصبح الماء مصدر صراعات ونزاعات فرغم الصعوبات التي تعرفها بعض العلاقات الدولية في هذا المجال يحذونا طموح إلى العيش في خضم حركية يتحكم فيها منطق الوئام والتعاون بدل القطيعة والمواجهة حركية تنتصر فيها إرادة الشراكة والتضامن".
وفي الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن التغيرات المناخية يقر جلالته بصعوبة الظروف المناخية التي تمر بها بلادنا وفي هذا الصدد يقول جلالته: " .. إن المغرب الذي يواجه ظروفا مناخية قاسية مرتبطة بالجفاف والتصحر ليجد نفسه أيضا وعلى غرار باقي الدول النامية في مواجهة التأثير السلبي على البيئة بفعل التطور السريع للمحيط السوسيو اقتصادي الذي أدى إلى ظهور أنماط جديدة من الإنتاج والاستهلاك".
كما يحذر جلالته، في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في الملتقى الدولي حول التغيرات المناخية من العواقب الوخيمة لظاهرة التغيرات المناخية داعيا في نفس الوقت المجموعة الدولية على تحمل مسؤوليتها التاريخية في هذا الجانب، إذ يقول جلالته: " .. وإن من شأن التدهور الشامل لجميع الأنظمة البيئية، الأرضية والبحرية والساحلية، أن يفضي إلى اختلالات نوعية في توازنها وإلى تهديد التنمية سواء بالنسبة للأجيال الحاضرة أو المستقبلية. وأمام هذه التهديدات، فإنه لا خيار للمنتظم الدولي سوى التحرك العاجل بالحزم المطلوب وبروح التضامن والإنصاف والمسؤولية من أجل حماية مستقبل كوكبنا. وبالنسبة لبلدان القارة الإفريقية، فإن هشاشة أنظمتها البيئية وضعف اقتصاديتها ومحدودية قدراتها على مواجهة التغيرات المناخية، كلها عوامل ستفضي حتما إلى تفاقم الفقر وتدهور الأمن في العديد من مناطقها. وهي وضعية مجحفة بالنسبة لهذه البلدان، إذ كيف يعقل أن تتحمل أكثر من غيرها انعكاسات هذه التغيرات وهي الأقل إنتاجا للغازات الدفيئة.
على هذا الأساس، "فإن التضامن الدولي والإنصاف وتقاسم المسؤوليات، والقول دائما لجلالته، قد أضحى اليوم ضرورة ملحة لمساعدة البلدان الإفريقية على بلورة وتفعيل تدابير الملائمة التي يتعين اتخاذها مع تمكينها من الوسائل والدعم التقني اللازم ". في ذات السياق يضيف جلالته: " .. فإننا نحث المجتمع الدولي على التحرك الفوري لبلورة اتفاق بيئي جديد، عماده قرارات ملموسة وإرادية، لتخفيض الانبعاثات الغازية الدفيئة؛ وأساسه مبدأ المسؤوليات المشتركة المراعية لمختلف الأوضاع. ولن يكون هذا التعاقد عادلا ومنصفا إلا إذا قام، من جهة، على تحمل البلدان المتقدمة لمسؤوليتها البيئية التاريخية بالتعهد باتخاذ خطوات جوهرية ومقدامة ملزمة ومرقمة وقابلة للتطبيق، وفق جدول زمني دقيق، بشأن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. ومن جهة أخرى، على تمكين الدول النامية وخاصة منها القارة الإفريقية التي تعاني أكثر من غيرها من آثار التغيرات المناخية من آليات تمويل كافية قارة وقابلة للتوقع للتخفيف من عواقبها الوخيمة. والأهم من ذلك، يضيف جلالته"... لتمويل برامجها المخصصة للتكيف وتسهيل نقل التكنولوجيات الحديثة للمشاركة في المجهود العالمي لمكافحة الإختلالات المناخية وكذا الانخراط في الاقتصاد الأخضر وبالنهوض بالأنماط المستدامة للإنتاج والاستهلاك وتطوير الصناعات والطاقات النظيفة".
وعلى غرار الاهتمام الذي يبديه الملك على المستوى الدولي، لم يذخر جلالته جهدا في تدعيم الجهود المبذولة على الصعيد الإقليمي؛ وهذا ما يتأكد في الرسالة الموجة من صاحب الجلالة إلى المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء البيئة حيث يقول جلالته:" فإذا كانت دولنا قد انخرطت بكل مصداقية في الجهود التي تبذلها المجموعة الدولية من أجل تحقيق أهداف تنمية دائمة، فإنه لازالت هناك عدة تحديات تواجهها، نتيجة الضغط المستمر على مواردنا الطبيعية واستنزافها وتفاقم الظواهر الطبيعية القصوى من جفاف وفيضانات وأعاصير وكوارث طبيعية متعددة. وتساهم ظاهرة التغيرات المناخية بمؤثراتها الخطيرة في تهديد مستقبل دولنا وأمنها الغذائي، مما يحتم علينا، من منطلق التضامن الإسلامي، أن نعمل على مواجهة آثارها الوخيمة على مجتمعاتنا واقتصاديات بلداننا، أن نعمل كذلك على توحيد مواقفنا على المستوى الدولي، والانخراط في الجهود المبذولة عالميا للتغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري".
في هذا الصدد يذكر جلالته بالجهود التي بذلتها بعض الدول الإسلامية وخاصة منها الأقطار العربية في تمويل عدة مشاريع في مجال الماء حيث يقول جلالته: " .. وقد كانت تجربة المغرب في تدبير موارده المائية وسيلة فعالة لمعالجة هذه الظواهر والحد من وطأتها على الطبيعة والإنسان. ويعد اللجوء المكثف إلى تشديد السدود من أنجع الوسائل للتأقلم مع حدة تلكم الظواهر. وقد تم تشيد عن ما يزيد عن 120 سد كبير مما مكن من تعبئة طاقة تخزينية تزيد عن ستة عشر مليار متر مكعب، ومن توفير مستوى عال من الحماية ضد الفيضانات ومن تسخير موارد تؤمن احتياجات البلاد أثناء فترة الجفاف. وما كان لهذه المشاريع أن ترى النور لولا التعاون الفعال للدول الإسلامية وتضامن هيئات التمويل الإسلامية. وإننا بهذه المناسبة- يضيف جلالته- لنتوجه بخالص الشكر إلى البنك الإسلامي للتنمية وإلى المصارف العربية باعتبارها إحدى أهم الدعائم المالية لإنجاز هذه المشاريع التي اكتسب منها المغرب خبرة هامة في مجال تدبير الموارد المائية يمكن تعميمها بين دولنا الإسلامية".
في سياق آخر، يستعرض جلالته التحديات التي تواجه بلادنا في مجال المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة مستحضرا في ذات الوقت الخطوات التي اتخذتها بلادنا لمواجهة هذه التحديات حيث يقول جلالته: " .. وإن المغرب، وهو يواجه، كسائر البلدان النامية، تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، فإنه يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية. والتزاما منه بذلك، نؤكد، والقول دائما لجلالته، وجوب انتهاج سياسة متدرجة وتأهيلية شاملة اقتصادا وتوعية ودعما من الشركاء الجهويين والدوليين".، مضيفا جلالته: " .. نوجه الحكومة إلى إعداد مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة يستهدف الحفاظ على مجالاتها ومحمياتها ومواردها الطبيعية ضمن تنمية شاملة. كما يتوخى صيانة معالمها الحضارية ومآثرها التاريخية باعتبار البيئة رصيدا مشتركا للأمة ومسؤولية جماعية لأجيالنا الحاضرة والمقبلة. وفي جميع الأحوال يتعين على السلطات العمومية أن تأخذ بعين الاعتبار في كناش تحملات المشاريع الإنمائية عنصر المحافظة على البيئة".
إجمالا، حظيت قضايا البيئة والتنمية بعناية خاصة في الخطب والرسائل الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وتمكن قراءة هذه الخطب والرسائل من الوقوف عند خطاب بيئي متميز يقارب قضايا البيئة في أبعادها الكونية والإقليمية والوطنية، وفي علاقاتها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو خطاب مبني على اختيار" إيكولوجيا إنسانية" تجعل الإنسان محور انشغاله الرئيسي، ويقوم هذا الخطاب على مقاربة جديدة مبنية على التشاور والبحث المتواصل عن حلول توافقية بين كل الأطراف المعنية، ومساهمة الجميع، في إطار الإنصاف والشفافية ومسؤولية كل واحد، حسب موقعه وتأثيره، من أجل انبثاق مواطنة كونية مبنية على التضامن الإنساني الفعال وعلى شراكات فاعلة بين الدول والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية والإقليمية.
 ويعكس هذا الخطاب البيئة الخاصة والمتميزة للمملكة المغربية بحكم موقعها الجغرافي ووزنها التاريخي والحضاري والثقافي، وكذا اختياراتها الاستراتيجية في مجالات البيئة والتنمية، وانخراطها في مسار مواجهة وحل مختلف الإشكالات والقضايا العالمية، ومنها بشكل خاص التغيرات المناخية والمياه والتصحر والتنوع البيولوجي، دون إغفال علاقاتها بقضايا  التنمية المستدامة والهجرة وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب. 
وقد مكن الخطاب البيئي الملكي من تقديم إجابات وطنية شكلت دائما إضافة نوعية ساهمت في النهوض بالجهود الدولية لرفع التحديات البيئية الكونية غير المسبوقة، حيث تعتبر المملكة مثلا من أول الدول التي ساهمت في بلورة وعي عالمي بشأن التغيرات المناخية، وذلك منذ مشاركة جلالة الملك محمد السادس ف ي أشغال مؤتمر ريو حول البيئة والتنمية " قمة الأرض"، سنة 1992، حيث ترأس آنذاك، بصفته وليا للعهد، وفد المملكة.
وانطلاقا من ذلك، ركزت خطب وسائل جلالة الملك ليس فحسب على توصيف القضايا والإشكالات البيئية الكونية، ولكن وبشكل خاص على تقديم الردود والحلول المناسبة لمواجهتها؛ حيث دعا جلالته، في عدة مناسبات، إلى اتحاذ تدابير احترازية مبنية على التضامن الإنساني الفعال، من أجل إنقاذ كوكب الأرض وتوفير العيش الملائم للإنسان وضمان استمراره، وتأمين المحافظة على البيئة ومواردها للأجيال الحالية والمقبلة. كل ذلك من أجل المستقبل " الذي من واجبنا ومن مسؤوليتنا أن نتركه لأطفالنا"، والذين يحرص جلالته على أن " لا نراهم محرومين من الغابات والمحيطات والشواطئ، ومن كل الموارد الطبيعية، التي تجسد أغلى رصيد تملكه البشرية والذي أصبح اليوم مهددا بسبب تقاعس المجتمع الدولي، أو عجزه عن تعبئة جهوده، قبل فوات الأوان، من أدجل توفير الوسائل اللازمة التي تجعله يتحكم في مصيره".
وإذا كان من الصعوبة بمكان في الحيز المخصص  في هذا البحث لتقديم الخطب والرسائل الملكية المنتقاة في ميدان البيئة والتنمية المستدامة بصفة عامة  وفي مجال المياه  بصفة خاصة، توصيف هذا الخطاب البيئي بالدقة والعمق اللازمين، ولكن يمكن تلخيص أهم عناصر وأسسه بشكل خاص فيما يلي:
- أولا: خطاب متجاوب ومتفائل مع المعطيات العلمية والتقنية للأوضاع البيئية لكوكب الأرض، بل يستند إلى نتائجها وخلاصاتها المؤكدة في تقديم البلورة الفلسفية والعلمية للإنسان في علاقته بالبيئة والموارد الطبيعية، وتقديم الاقتراحات المناسبة لتغيير الأنماط والعادات السلبية التي تساهم في تدهور الوضع البيئي للكوكب.
- ثانيا: خطاب مبني على التضامن الانساني الفعال بين بني البشر في علاقاتهم بالبيئة والموارد الطبيعية، والحث على الربط بين  هذه  الأخيرة والموارد البشرية، وتوظيفها معا في جهود تحقيق التنمية البشرية الشاملة، بدل هدرهما في النزاعات المفتعلة، مع الحرص على الانخراط في شراكات واسعة وفاعلة بين جميع الأطراف المعنية.
- ثالثا: خطاب المسؤولية المبنية على المصير المشترك للبشرية وحقوق الأجيال الحالية والمقبلة، والربط بين الحق والواجب. فحق الإنسان في بيئة سليمة ومتوازنة، يقابله واجب المحافظة عليها. كما أنه إذا كانت المسؤولية مشتركة، فإنه ينبغي مراعاة تفاوتها تاريخيا بين الأجيال، وبين دول الشمال ودول الجنوب. فالمسؤولية المشتركة لن تستقيم دون تحمل الدول المتقدمة لمسؤوليتها البيئية التاريخية. كما أنه لا بد من مراعاة وجود أنظمة بيئية إقليمية ومحلية ذات خصوصيات طبيعية وثقافية وتقاليد إنتاجية واستهلاكية ( مثلا على مستوى البحر الأبيض المتوسط والقارة الإفريقية، والعالمين العربي والإسلامي....).
- رابعا: خطاب بيئي للترافع من أجل قضايا الدول النامية، وخاصة الإفريقية، وبالأخص الدول ذات الهشاشة البيئية والمهددة في وجودها كالدول الجزرية الصغرى. وفي هذا السياق تستأثر إفريقيا باهتمام بالغ في هذا الخطاب، لما تعانيه من مشاكل بيئية مرتبطة بالإرث الاستعماري وبؤر التوتر والنزاعات وانتشار الكوارث والأمراض والأوبئة الفتاكة، والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية؛ ولذلك" تستحق اهتماما خاصا، فهي قارة بدأت تستفيق في كل مناطقها، وتستكشف ذاتها وتكتسب الثقة في نفسها. إنها قارة المستقبل وعلى أرضها سيحسم مصير كوكبنا".
- خامسا: خطاب يربط المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية بضرورة اصلاح المنظومة الدولية المعيارية والمؤسساتية، من أجل توحيد الإطار المؤسساتي الدولي لحماية البيئة، مع الحرص على إدراج هذا الهدف في إطار إعادة هيكلية عميقة للحكامة الدولية، لتأمين التنسيق بين مختلف المتدخلين، وعقلنة وترشيد استعمال الموارد المخصصة لها.
- سادسا: خطاب الحزم والإقدام والاحتراز، حيث يدعو إلى التدخل الفوري لإنقاذ" مستقبلنا المشترك"، وفق مقاربة تنبني على " الواقعية والاستباقية والعمل" على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية، مع القطع مع الانتظارية والتقصير والتشكيك في الخلاصات والنتائج المؤكدة للتقييمات المختلفة للأوضاع البيئية. ويبرز  في هذا السياق اعتماد الخطاب لمبدأي الاحتراز وعدم التراجع في التعاطي مع القضايا البيئية بما في ذلك قضية المياه.
- سابعا: خطاب أعطى دينامية جديدة للعمل الوطني في مجال  المياه والبيئة والتنمية المستدامة، وفق سياسة إرادوية وشمولية. إن قوة هذا الخطاب مكنت المملكة من تحصين وتطوير المكتسبات، واعتماد سياسة وطنية حقيقية في مجال البيئة، بالحرص على ترجمة التوجيهات الملكية إلى سياسات عمومية وتشريعات وبرامج واستراتيجيات ملموسة على أرض الواقع.
محمد الكيحل، استاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط
وخبير في الشؤون البيئية والجيواستراتيجية