الأمام عند الصحراويين يعني الجنوب "الڭبلَة" أي الجهة المقابلة، والخلف عندهم هو الشمال "التّل"، والسبب هو المناخ السائد، لأنّ الريح في الغالب تأتي من الشمال (التّلِّيّة)، لذلك كان اتجاه الخيمة نحو الجنوب تفاديا للريح والغبار، وبحثا عن الدفء.
ولذلك سمّوْا الجنوب بالقبلة لأنه قبلتهم الوحيدة، ولولا قداسة الدين لصلوا في اتجاه الجنوب، وقد بلغ الأمر بهم أن فرّقوا بين اتجاهين بكلمة واحدة بفارق نطق، فقد أبقوا في "قِبلة" الصلاة على القاف الأصلية فقالوا "القَبلة"، فيما وضعوا لمستهم الخاصة على قِبلتهم الجنوبية فسموها "الڭَبلة" بالكاف المنقوط..
لم يفضل الإنسان الصحراوي تلك الوجهة لنفسه فقط، بل فضلها للمراعي ومداخل الحظائر، وكذلك مالت النباتات نحو الجنوب، ويتجلى هذا الميل خاصة في شجر الطلح الذي لا يُخطئ القبلة على تعبير الأديب لغلى بوزيد.
لذلك رأى الصحراويون المُتّجهَ نحو الشمال راجعا للخلف، لأن الجنوب بالنسبة إليهم هو الأمام، فقالوا "امْڭافي" ولو أنهم ينطقون القاف في كل المواضع لقالوا "امْقافي" أي "قاصدا القفا" أي راجعا إلى الخلف.
وبغضّ النظر عن المعنى البعيد للمثل الشائع "إلى استڭبل ولدك لا تردّو، ويلا ڭافَ لا تْعدُّو"، فإن المعنى الحرفي مقترن بتصور اتجاه الخيمة، حيث إن لعب الطفل أمامها، أي في اتجاه الجنوب، سيكون تحت أنظار أبويه، لأن فتحة الخيمة في ذلك الاتجاه، بينما لعبه شمال الخيمة (خلفها) يعني اختفاءه عن أنظار أبويه، في صحراء فيها جفاف ووحش وغير ذلك، والتقدم للأمام على كل حال أفضل من الرجوع للخلف أو القفا.
ومعروف أن كلمَتَيْ "لڭفىَ" و "المڭفى" يعنيان الخلف في الحسانية، والقفا يعني الخلف في الفصحى، وفي جسم الإنسان يعني "القفا" العنقَ من الخلف، وفعل "قفاه" يعني ضربه على القفا، و"قفا أثره" أي مشى وراءه، و"قَفا الدَّهرِ": آخره، و"قَفا كُلِّ شيء": خلفه، أي عكس وجهه، و"القافية" تكون في آخر البيت.. إلى آخره، أو إلى قفاه.