نظر إلينا وحدّق... انتصب...اقترب، ثمّ سأل: ألُبنانيّون أنتم؟!
قلت: نعم، ولكنّا لسنا من لبنان.
كان الشّابّ في ذلك المكان على الطّريق السّيارة بإحدى المناطق في ألمانيا يبحث عن السّند، وقد اعتقد أنّه لا يجده إلّامن لبنانيّ أو من فلسطينيّ ربّما، لأنّه أصبح يرى النّاس، كلّ النّاس، غربيّين وشرقيّين،أعاجم وعربا، مسلمين وغير مسلمين، متعلّمين وأمّيين، محكومين برتبة حكّام ومحكومين، قد شغلوا مواقع المتفرّجين أو المُؤاخذين أو المناصرين للضّربات الصّهيونيّة المنهالة على رجال المقاومة الخارجين عن الإجماع القاضي بالخضوع التّامّ لمغتصبي الأرض ومستحلّي العِرض ومصّاصي الدّماء الإسماعيليّة (نسبة لسيّدنا إسماعيل عليه الصّلاة والسّلام) الشّهيّة شافية صدور أعداء الله ﷻ.
كنت أرى ذلك في نظراته الحائرة وأرى ذلك في اقترابه منّا لمجرّدتزيّي نسائنا بألبستهنّ الشّرعيّة التي قد تكون ذكّرته بأهله وعشيرته... ولمّا أجبته كنت أشعر أنّني منه وأنّه منّي رغم الاختلاف الفكريّ الذي قد ينشأ بيننا بسنّة مستنّ أو بشيعة متشيّع... ألسنا جميعا في الظّاهر مسلمين؟! ألسنا جميعا عربا مهجّرين؟!
ألسنا جميعا "إرهابيين"؟! ألسنا جميعا من العيش الكريم في بلادنا محرومين ممنوعين؟ أطلنا الكلام رغم قصر زمن الوِقفة. اتّفقت وإيّاه على أنّ الموقف العربي الرّسميّ مخزٍ ومذلٍّ وداعمٌ للاحتلال ومحفّزٌ للخصم على ركوب رقابنا وأنانيٌّ ربّما، فلعلّ "حزب الله" قد أفسد في تلك السّنة 2007، على بعضهم عطلته الصّيفية هناك بين أهله في تلّ أبيب أو في القدس الغربيّة أو في مكان من الأمكنة التي نجهلها من الأرض المقهورة، حيث الماء الأزرق يحتضن بنات الأصفر يلاعبن أجلاف العُربِ الخونة... رأينا أنّ الموقف الأمريكيّ ثابت في كرهه للمسلمين وفي استخفافه بحكّامهم الدّمى، وذكرنا ضحكة "بوش" وهو يأكل فكِهًا مرحا، متلفّظا بكلام وصفه الصّحافيون بالسَّمْج، على نغمات القنابل والمدافع والصّواريخ الدّاكّة للمباني فوق الرّؤوس، الحاطمة للجسور، النّاثرة للأشلاء العربيّة المسلمة على أرض لبنان وفلسطين، ثأرا لثلاث جنود من جيش اليهود المغتصبين النّجسين!.. كرهنا الاتّحادات – رغم حاجتنا للتّوحّد والاتّحاد – ونحن نرى الاتّحاد الأروبيّ ذليلا تابعا للصّهيونيّة العالميّة، مجترّا لمنطقٍ لا يقبل به إلّا فاقدُ عقل عديمُ مروءة مسلوبُ إرادة، فالجميع يتودّد للكيان اليهوديّ الصّهيونيّ، والجميع يسعى لتسريح الأسرى الصّهاينة الثّلاثة كشرطٍ أساسيّ قد لا يكون كافيا لوقف إطلاق النّار الذي كلّفنا إلى حدّ الآن بعض الآلاف من القتلى والجرحى والمهجّرين، دون أن ينتبهوا إلى تصريحات بعض "الصّالحين" فيهم ممّن تحدّث عن عنجهيّة الكيان الصّهيونيّ اللئيم ودون أن يتوقّفوا عند تلك المعادلة الظّالمة الكاشفة لأغوار هؤلاء "الكبار" السّاقطين، ممّن حسب أنّ كفّة ثلاثة جنود من الغزاة ترجح كفّة ملايين الطّاهرين من أهل الأرض الشّهيدة لبنان وفلسطين، ودون أن يقبلوا بمبدإ تبادل الأسرى بين الغاصِب المغتصِب والمغصوبِ المغتَصَبِ.
غادرني الشّابّ المكلوم فخمّنت طويلا حتّى سلّمت بأنّ حكّامنا بحاجة إلى بذل أضعاف الجهد الذي بذله الكيان الصّهيونيّ في بحثهم عن جنودهم المفقودين، لاستفراغه في البحث عن شرفهم المفقود وعن رجولتهم المغوّرة في كؤوسهم المترعة بأمّ الخبائث المشجّعة لهم على الذّوبان وخدمة الدّولة اليهوديّة وعلى الاستئساد على شعوبهم الإسلاميّة.
وإنّا نحن الشّعوب بحاجة إلى بذل جهد كبير لإقناع أنفسنا بأنّ الدّم الذي أساله العدوّ الصّهيوني لهو أكثر بكثير ممّا قد يسيّله منّا الحكّام الدّمى إذا ما أردنا - كما أوصى الشّابّي رحمه الله - الحياة، وعليه فالتّفكير في تغيير ما بالأنفس أولويّة قصوى وآكدة، والتّغيير يبدأ بجعل حاكمِنا خادِمَنا، فلا يقول إلاّ ما يخدم مصالحنا، ولا يفعل إلاّ ما يقع عليه إجماعنا.
وإنّ الأمم المتّحدة من ناحية أخرى بحاجة ماسّة إلى خُلق يعلّمها فقه المصطلحات، كي تنتبه إلى جريمتها المتمثّلة في السّكوت عن الجرائم التي ظلّ يقترفها دون حساب ولا عقاب هذا الكيان المجرم اللّقيط الذي غرسته في الشّرق الأوسط بأيادي بعض أعضائها المجرمين، وهي إلى ذلك بحاجة إلى مروءة تذكّرها بالغيرة على القرارات التي صدرت عنها، فتطالب الجميع بتطبيقها دون انحياز لقوّة غاشمة جعلت منها مجرّد وسيلة خادمة لأطماعها. ثمّ وجدت نفسي بحاجة إلى سماع أخبار تقرّ عين الضّعيف وتُرجِع حقّ المظلوم وتأخذ الظّالم بظلمه إلى سجّين... فلمّا سحت ولجأت إلى النّصوص المبشّرات رأيت الظّلَمة، ولا سيّما هؤلاء الذين أعلنوا بتبجّح دولتهم اليهوديّة، قد سلكوا طريق جدّهم فرعون، ولن يكون مصيرهم بإذن الله تعالى إلاّ الخسف والزّلزلة والغرق واللعنة من الله والملائكة والنّاس أجمعين، وسوف يكون النّاجون منهم المتحصّنون، في مجابهة حجر جهر بالحقّ فنادى: [يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله][1]...
...................
[1] ابن حنبل: مسند أحمد - حديث رقم: 5354 - ج5 - ص 31