تعاني كثير من قطاعاتنا الوزارية من أعطاب واختلالات بنيوية. فكل برامج الإصلاح لا تصمد أمام العبث المستشري في ميكانيزمات الإدارة.
إذا كنا نفتخر بكثير من الملاحم البطولية التي عبر فيها الشعب عن تضامنه وتماسكه وكيف هب جميع أفرادها للمناطق المنكوبة جراء زلزال الثامن من شتنبر الماضي، وقدموا دروسا بليغة للعالم على أننا جسد واحد وكيان واحد مهما اختلفت التعابير ولغة الجغرافيا، فالوطن واحد. الجموع التي زارت تلك المناطق شكلت مبادرتها صورة جميلة للإنسانية، لكننا مهما أشدنا بهذه التحركات النبيلة يبقى سؤال محوري مهم جدير بالطرح أين هو دور المسؤولين من منتخبين وقطاعات مسؤولة على الوضع الكارثي الذي أصبحت تعيشه الآن؟ لقد حذر كثير من المتتبعين بشكل استباقي من غياب استمرارية الاهتمام بعد هذه الاجراءات بما يضمن ظروف عيش كريمة واستعدادا كذلك للتغيرات المناخية القاسية التي تلوح في الأفق وستعرفها المناطق الجبيلية والتي لامحالة ستعصف بكل المجهودات. الساكنة تعرف جيدا أن الجغرافيا رغم وعورتها وجماليتها فهي لا ترحم ساكنتها في فصل الشتاء حيث تعرف طقسا باردا وأمطارا وثلوجا. ويقتضي الأمر استعدادا لوجيستيا يوازي هذه المتغيرات ويحفظ للساكنة كرامتها .
غابت كل الأحاسيس الجميلة التي اجتاحت كل المناطق المنكوبة جراء الزلزال عندما استوطنت لفترة وجيزة أعالي الجبال وجميع المداشر وتوالت الأحداث من كل حدب وصوب ساهمت في غياب المتابعة لأهلينا في الأقاليم المنكوبة: الحوز وتارودانت وشيشاوة وازيلال ومراكش وورززات، الاقاليم الست لا أحد أصبح يذكرها .لكن مقاطع فيديو القادمة من هناك تنقل بشكل مفاجئ صور لبعض المناطق الجبلية التي اجتاحتها الأمطار ولم تصمد الخيام البلاستيكية أمامها كما أنها لم تعد قادرة على مواجهة الرياح العاتية .تصريحات من عين المكان تستنكر بشدة غياب المنتخبين وكيف بات الناس في العراء بعدما غمرت المياه كل الأمكنة والوحل استحال معها التحرك. في ماذا ينفع الكلام وبعض المنتخبين غادروا المكان بعد رحلة الصيف وبعدما خمدت الأصوات، التقطوا الصور و"سيلفيات" وملأوا الدنيا ضجيجا بلا أثر يذكر ومارسوا دعايتهم المناسباتية لتغطي على أفعالهم النكراء.
في رحلة الشتاء غاب رئيس جماعة تارودانت، وزير العدل، الذي زارهم مرة واحدة مصحوبا بفيلق من المصورين في جو مشمس ولم يعد بعده ليعاين كيف تعيش الساكنة بلاغطاء ولا مأوى.. أين وزيرة الإسكان التي انتقضت ذات يوم في عز الأزمة لتبشر الساكنة بالحل فاختفت وبقي السكان لوحدهم دون سند ولامعين. أين ..وأين ...؟
الكل اختفى وبقي المواطن يصارع لوحده كل الإشكالات لعله يجد حلا لازمة غاب فيها المسؤول. مادمنا نعيش زمن الرداءة مع أحزاب البؤس وحكومة لا شعبية فاقدة للشرعية ، لا تملك فعلا إنسانيا يخفف من آلام الناس، ولا رد فعل نتيجة سخط ورفض البعض لتدابيرها الترقيعية. لا رحلة الصيف أدت دورها ولا رحلة الشتاء الأهم، انتجت مواقف الرفض لها. وبقينا نراوح المكان بعدما أصبحت أزمة ترمينا لأزمة.