يوسف لهلالي: الانهيار الأخلاقي للغرب بالتأييد المطلق لفظاعات الاحتلال الإسرائيلي

يوسف لهلالي: الانهيار الأخلاقي للغرب بالتأييد المطلق لفظاعات الاحتلال الإسرائيلي يوسف لهلالي
هل فقد الغرب أخلاقه السياسية ودفاعه عن قيم الحرية، الديموقراطية والمساواة بين بني البشر، هذه القيم التي يردد اعلامه انها كونية ومن حق كل سكان الأرض. لكن اليوم ينفي هذه الحقوق عن الانسان الفلسطيني الذي ترتكب ضده كل فظاعات الاحتلال بشكل يومي وعقاب جماعي للمدنيين من قصف وقطع الماء والكهرباء والأدوية وهي كلها جرائم حرب بمفهوم الأمم المتحدة والقانون الدولي باسم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
اليوم، كيف سيفسر قادة الغرب هذا التضامن الاعمى مع دولة الاحتلال وتجاهل الضحايا المدنيين خاصة من الاطفال الذين يسقطون الى حدود كتابة هذه السطور (حصار عسكري مند 22 يوما على عملية طوفان الأقصى والذي خلف أكثر من 8000 قتيل منهم 3000طفل تقريبا)، هل الضحايا الفلسطينيون اقل قيمة من الضحايا الإسرائيليين؟ هل أصبح الغرب يتجاهل جرائم الحرب ضد المدنيين والابادة الجماعية لهم؟ هل الغرب عاجز عن القول لحكومة وحشية ومتطرفة بإسرائيل التي تمثل اليمين الأكثر تطرفا بان تتوقف على القتل الوحشي واليومي لسكان غزة مند أكثر من اسبوعين. وليس سرا ان الإسرائيليين أنفسهم تظاهروا ضدها مند توليها المسؤوليات بتل ابيب. وهي نفس الحكومة التي صعدت مند وصولها الاستيطان والقمع في الضفة الغربية والقدس دون ان يتحرك باقي العالم، خاصة الغرب الذي يوفر لها الدعم المادي والعسكري والإعلامي وعلى راسه الولايات المتحدة الاميركية.
الاعلام الغربي تحول اثناء هذه المواجهة بين حماس ونتانياهو الذي يقود حرب ابادة ضد المدنيين بغزة تحول الى بوق لدعاية الإسرائيلية ونشر كل ما يدعيه المكتب الإعلامي لنتانياهو ومراسليه عبر العالم دون التحقق او التأكد من الاخبار بما فيها الحديث دعاية قطع رؤوس الأطفال. وهي الخدعة التي انطلت حتى على الرئيس الأمريكي نفسه ورددها في اول تدخلاته لدعم الاحتلال. وهو منزلق سقط فيه كل الاعلام الغربي الا استثناءات نادرة بل ان اعلام الكيان الصهيوني كان أكثر موضوعية وتوازنا أحيانا في تعامله مع هذه الحرب ضد غزة من اعلام الغرب نفسه الذي حركته العواطف والدعاية والمصالح أكثر منها المهنية.
الشرخ الكبير بين الغرب وباقي العالم تفجر خلال الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنه ازداد مع الحرب الإسرائيلية على غزة والتي سبقتها اعمال التخريب والاستيطان والقمع ضد الفلسطينيين بالضفة والقدس. طبعا هذه الحرب بينت الانهيار الأخلاقي للغرب في تعامله مع قضايا العالم ومنها القضية الفلسطينية. الذي يتشبث بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس وينفي عن الفلسطينيين حقهم في المقاومة.
هذه الحرب تضعف السلطة الشرعية للفلسطينيين وطروحات السلام. لكن لا يمكن ان ننتقد المقاومة الفلسطينية لوحدها لأنها وصلت الى ما وصلت اليه بفضل وجود متطرفين وعنصريين في الحكومة الإسرائيلية الذين يدعون يوميا لقتل الفلسطينيين والعرب وانهاء قضيتهم. المواجهة بين المتطرفين من الجانبين. حكام الكيان الصهيوني قاموا بأضعاف محور السلام، ومشروع الدولتين بالمنطقة الذي انطلق من اسلو قبل ان يسقطه الإسرائيليون ويضعفون السلطة الفلسطينية التي كانت تحمل هذا المشروع وعملوا على تقوية التطرف وسط الفلسطينيين أنفسهم من اجل افشال مشروع الدولة الفلسطينية. وهو تخريب بدأ من اسرائيل نفسها مند اغتيال إسحاق رابين وهي بداية سيطرة المتطرفين على السلطة بإسرائيل وانهاء مسلسل السلام الذي كان يعتقد الكثير بالعالم ومنهم كاتب هذه السطور ان تنعم المنطقة. وذلك لتحقيق السلام بين شعبين ودولتين كما نصت على ذلك مقررات الأمم المتحدة. لكن المتطرفين خاصة بإسرائيل نجحوا في تخريب هذا الامل، واليوم التصعيد بين الجانبين يخدم اجندة نتانياهو وحلفائه من المتطرفين والذي يجرون المنطقة للحرب فقط ليفلت من قضاء بلاده. هنا يكمن ضعف الغرب الذي يعرف ذلك ويستميت في دعمه لشخص يقود العالم الى الحرب من اجل الإفلات من تهم الفساد. وهو ما جعل جاك اطالي المستشار السابق لميتران بوصفه بمجرم حرب في تصريح لاحد الإذاعات الفرنسية.
اليوم قضية الفلسطينية ليست هي ضد اليهود بل هي ضد المشروع الصهيوني الذي يحتل أراضي فلسطين ويستمر في التوسع الاستيطاني حتى اليوم، وهي قضية سياسية وليست دينية من وجهة نظري. الجانب الإسرائيلي يضم في حكومته أعتى المتطرفين واقترفوا مند بداية الاحتلال لأكثر من 70 سنة أبشع المذابح في حق الشعب الفلسطيني كما قضوا على كل مبادرات السلام سواء من المنطقة او باقي العالم. ومنهم أحزاب حتى اليوم لها ادبيات عنصرية ضد العرب وتدعو الى رميهم في البحر والتوسع على أراضي باقي البلدان العربية|. وهو ما يعني ان المتطرفين من الجانبين لهم نفس الاجندة. وكبيرهم نتانياهو وحلفاؤه يحلم بإخلاء غزة أيضا وطرد الفلسطينيين الغزاويين نحو مصر.
اليوم الحرب في المنطقة والتأثير عليها أصبح بيد المتطرفين بكل المنطقة وأصبح دعاة السلام عجزين على النطق بكلمة واحدة في ظل تصاعد القتلى يوميا بين الفلسطينيين من المدنيين الذين يؤدون ثمن هذه الحرب ويسقط منهم 14 ضحية كل ساعة حسب احصائيات الأمم المتحدة.
والقادم أفظع على سكان غزة وهو ارتفاع القصف الجوي على القطاع، وحسب نيويورك تايمز فان إسرائيل ستطبق "قاعدة حماة" وهي إشارة الى العمل الاجرامي الذي قام به نظام حافظ الأسد ضد سكان هذه المدينة السورية التي قام سلاحه الجوي بدكها على رؤوس ساكنيها وهو ما تسبب في هلاك عشرات الالاف من السوريين المعارضين لنظامه. وهو السناريو الذي يريد ان يستلهمه ويطبقه نتانياهو على سكان غزة وينتظر فقط مباركة عمله من كل بلدان الغرب التي مازالت تردد ان من حقه "الانتقام" لكن ليس ضد المدنيين، لكن عجز جيشه على مواجهة مقاتلي حماس والمقاومة الفلسطينية سيدفعه الى الانتقام من المدنيين من اجل تقديم "نصر" عسكري لاتباعه. وهو الامر الذي لم يتحقق رغم تلاثة أسابيع من الحصار العسكري، في قصف جوي مع قطع الماء والكهرباء وكل اشكال المؤن من أغذية وادوية. ما ذا يردد الاعلام الغربي؟ "من حقه الانتقام للمدنيين الذين قتلوا في السابع من أكتوبر الأخير".الانتقام اصبح عملة حتى في البلدان التي تردد ان العدالة هي مكان الملائم للعقاب.
الغرب فقد كل المشروعية لأنه هو الوحيد القادر على إيقاف هذه الحرب بعد ان كان منبعها مند وعد بلوفور. اليوم إسرائيل بدون الدعم الأمريكي وتسابق قيادات البلدان الغربية وكبار المسؤولين الى زيارتها ودعمها سياسيا وعسكريا لا يمكن ان تتمادى في سياسة الإبادة الجماعية للفلسطينيين. لان كل ما تقوم به في غزة اليوم يحرمه ويجرمه القانون الدولي ويعتبره جرائم حرب، وهو نفس القانون الذي وضعته هذه الأمم بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية. الغرب (يمكن القول ان موقف النرويج وايرلندا وبعض وزراء اسبانيا لهم موقف يدين هذه الإبادة التي يسكت عنها باقي الغرب وكذلك المعارضة بفرنسا التي يتزعمها جون لك ميلونشون التي ادانت هذه الابادة) اليوم يتنكر لقيمه التي يرددها على باقي العالم ويفضل دعم حكومة للاحتلال شعارها الاستيطان وابادة الفلسطينيين. من يمكنه اليوم انقاذ إسرائيل والغرب من هذا الأنهار الأخلاقي امام باقي العالم؟ حتى الصين تقول ما يقع بغزة تجاوز حدود الدفاع عن النفس وأصبح عقابا جماعيا للفلسطينيين بل ان رئيس روسيا فلاديمير بوتين قارن ما يحدث للفلسطينيين وحصار غزة بالحصار الذي تعرضت له ستالين غراد السوفياتية في الحرب العالمية الثانية من طرف الجيش النازي. رغم ان لا أحد ينسى الإبادة التي قام بها ومازال يقوم بها بوتين نفسه تجاه الشعب السوري من خلال القصف الجوي والصاروخي لمدن وقرى المعارضة السورية.
اليوم امام ما يحدث في غزة للمدنيين من إبادة وقصف يومي، وفي غياب قوى كبرى يحكمها المنطق والأخلاق في تدبير العلاقات الدولية، لا أحد يمكنه توقع حجم الانفجار الذي يمكن ان تشهده المنطقة جراء هذا الظلم الذي يلحق الشعب الفلسطيني.