أوضح ذ.وديع الجوهري، باحث بسلك الدكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس- عضو منتدى الباحثين بوزارة الإقتصاد والمالية، في حوار مع "أنفاس بريس"، أهم الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2024.
وماهي البدائل المطروحة أمام المشرع لفرض الضرائب والرسوم على الثروة بدل الزيادة في سعر الضريبة على القيمة المضافة، خاصة أن هذه الضريبة يؤديها المستهلك، وهو المواطن العادي المغلوب على أمره حينما يتعلق الأمر بعمليات نقل المسافرين والتزود بالماء والكهرباء وخدمات التطهير وهذه مواد حيوية وخدمات أساسية لا يمكن للمواطن أن يستغني عنها.
ما تعليقك على أهم الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2024؟
عموما مشروع قانون المالية لسنة 2024 جاء في سياق إرساء دعائم الدولة الاجتماعية ومأسسة الحوار الاجتماعي ودعم السكن وتحفيز الشغل، بحيث أتى بعدة تدابير وإجراءات:
*- التوجه نحو إعفاء بعض السلع والمواد من الضريبة على القيمة المضافة، من قبيل حليب الرضع، مسحوق الحليب، مصبرات السردين، الصابون المنزلي، عمليات البيع والتسليم المتعلقة بالمنتجات الصيدلية والمواد الأولية والمنتجات الداخل مجموعها أو بعض عناصرها في تركيبة المنتجات الصيدلية، اللفائف غير المرجعة للمنتجات الصيدلية وكذا المنتجات والمواد الداخلة في صنعها، عمليات البيع المتعلقة بالأدوات والمنتجات والمواد الداخلة في تركيبها.
هذه المواد تم إعفائها من الضريبة على القيمة المضافة وهي مواد يحتاجها ويقبل عليها المغاربة وهذا إجراء مهم أتى به مشروع قانون المالية لسنة 2024.
*- دعم الدولة للسكن من خلال المادة العاشرة (10) من مشروع القانون المذكور التي نصت مقتضياتها على المساعدة المالية المباشرة من طرف الدولة لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي، محددة الاستفادة لكل من استجمع الشروط المتطلبة وتتراوح مبالغ الاستفادة بين:
- مائة الف درهم اذا لم يتجاوز ثمن الاقتناء ثلاثمائة ألف درهم.
-سبعون ألف درهم اذا ما تجاوز مبلغ الاقتناء ثلاثمائة ألف درهم ولم يفوق سبعمائة ألف درهم.
غير أنه كان من الأجدر أن ترافق هذا الدعم إجراءات وتدابير من شأنها الحد من المضاربة العقارية في السوق السوداء وذلك لإيقاف التلاعبات والسمسرة غير المشروعة التي تقع في أرض الواقع، بحيث أن المقتضيات التشريعية الراهنة غير كافية للحد من هذه التلاعبات التي يقوم بها المنعشين العقاريين ومن يقوم مقامهم، فغالبا ما يسقط المقتني لسكنه الرئيسي وهو مستهلك عادي في فخ إخفاء الثمن الحقيقي أو ما يعرف بالسوق السوداء في المجال العقاري أو ( النوار noir)، طبعا يقع كل هذا بضغط من المنعشين العقاريين أو من يقوم مقامهم، لذلك أقول أننا اليوم في أمس الحاجة لتدابير واقعية حقيقية تضمن المساواة بين أطراف العلاقة التعاقدية: المنعش العقاري كحرفي مهني والمقتني للسكن الرئيسي كمستهلك عادي، وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة وسيظل مشروع دعم السكن مجرد حبر على ورق لأن ما أعطته الدولة من دعم مباشر للمقتني أخذه المنعش العقاري بطرق ملتوية، وبالتالي إذا كلما كثُرت هذه التلاعبات في الواقع، كلما تم إفراغ الأهداف الاجتماعية المتوخاة من مشروع الدعم من طرف الدولة لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي من محتواها.
نص مشروع قانون المالية لسنة 2024 على زيادات مرتقبة في سعر الضريبة على القيمة المضافة، ماهي؟
فعلا تم التنصيص في مشروع قانون المالية لسنة 2024 على رفع سعر الضريبة على القيمة المضافة في بعض المواد وذلك بشكل تدريجي من خلال زيادة 1% ابتداء من فاتح يناير لكل سنة مالية مقبلة وذلك من 2024 إلى 2026، وشملت الزيادة بعض المواد والخدمات والعمليات التي كان سعرها حاليا 7% و 14% وسنحاول تفصيل ذلك وفق ما يلي :
*بالنسبة للسعر الحالي 7% سيرتفع ل 10% وذلك بزيادة 1% في فاتح يناير من كل سنة، وذلك من 2024 إلى 2026، بحيث سيطبق في سنة 2024 سعر 8% و في سنة 2025 سعر 9% و في سنة 2026 سعر 10% وذلك بخصوص العمليات التالية:
- عمليات البيع والتسليم المتعلقة بالماء المزودة به شبكات التوزيع العمومي وخدمات التطهير المقدمة للمشتركين من طرف الهيئات المكلفة بالتطهير وكذا إيجار عداد الماء.
- عمليات البيع والتسليم المتعلقة بالسكر المصفى أو المكتب بما في ذلك السكر المصنوع من (نفايات المصافي) "فرجواز" والقند وأشربة السكر الخالص غير(المعطرة وغير الملونة، ماعدا المنتجات الأخرى التي لاتندرج ضمن هذا التعريف).
لا بد من الإشارة في نفس السياق إلى أن العملية الوحيدة التي سعرها الحالي في الضريبة على القيمة المضافة هو 7% هي إيجار عداد الكهرباء وسيرفع سعرها بزيادة قل نظيرها في الزيادات التي أتى بها مشروع قانون المالية لسنة 2024، بحيث سيطبق سعر 11% من فاتح يناير 2024 و سعر 15% من فاتح يناير 2025 و سعر 20% من فاتح يناير 2026.
* بالنسبة للسعر الحالي 14% سيرتفع ل 20% وذلك بزيادة 2% في فاتح يناير من كل سنة وذلك من 2024 إلى 2026، بحيث سيطبق في سنة 2024 سعر 16% وفي سنة 2025 سعر 18% و في سنة 2026 سعر 20% وذلك بخصوص العمليات التالية:
-الطاقة الكهربائية.
-عمليات نقل المسافرين والبضائع بإستثناء عمليات النقل السككي.
كان هذا فيما يخص سعر الضريبة على القيمة المضافة التي تم رفعه بموجب مشروع قانون المالية لسنة 2024، فماذا عن السعر المخفض؟
*تم التخفيض من سعر الضريبة على القيمة المضافة من 14% إلى 10% وذلك بشكل تدريجي من خلال تخفيض نسبة 2% ابتداء من فاتح يناير 2024 و 2% ابتداء من فاتح يناير 2025 وذلك فيما يخص العمليات التالية:
- عمليات البيع المنجزة من طرف منتجي الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقات المتجددة.
- الخدمات التي يقدمها كل عون أو وسيط أو سمسار برسم العقود التي يقدمها لإحدى مقاولات التأمين.
بناء على ما سبق يمكن القول أن كل هذه الإجراءات المتخذة من إعفاء من الضريبة على القيمة المضافة في بعض المواد والعمليات والخدمات أو التخفيض من سعر الضريبة المذكورة تبقى مهمة غير أنه إذا ماتم مقارنتها بحجم الزيادة في سعر الضريبة المذكورة من جهة، و مقارنتها برفع الدولة يدها بشكل تدريجي عن الدعم في غاز البوتان وغيرها من الإجراءات المتخذة التي تروم نفس الموضوع من جهة أخرى، فإننا نستنتج أن مامنحه مشروع قانون المالية لسنة 2024 باليد اليمنى يسحبه باليد اليسرى.
لكن بدلا من رفع مشروع قانون المالية لسنة 2024 لسعر الضريبة على القيمة المضافة على السلع والخدمات الحيوية للمواطنين مثل الماء والكهرباء ووسائل النقل والسيارات الاقتصادية، ألم يكن من الأجدر فرض ضرائب إضافية على السلع الكمالية والأرباح الفاحشة مع إنشاء ضريبة على الثروات الكبرى؟
هذا سؤال جد مهم، حقا حبذا لو استعاض مشروع قانون المالية لسنة 2024 عن الزيادة في سعر الضريبة على القيمة المضافة بالبدائل التي ذكرتكم في سؤالكم، خاصة أن الضريبة على القيمة المضافة يؤديها المستهلك وهو المواطن العادي المغلوب على أمره، حينما يتعلق الأمر بعمليات نقل المسافرين والتزود بالماء والكهرباء وخدمات التطهير وهذه مواد حيوية وخدمات أساسية لا يمكن للمواطن أن يستغني عنها.
ولهذا حبذا لو اتجه المشرع لفرض الضرائب والرسوم على الثروة خاصة الثروة العقارية المجمدة كالعقارات العارية المتواجدة في المواقع الاستراتيجية في المدن منذ سنوات دون بناء والحال أنه كان من المفروض أن تُشيد فيها مبان ومجمعات سكنية ومحلات تجارية تذر على الدولة مداخيل ضريبية قارة من جهة، كما أنه من شأن بناء هذه العقارات العارية ان يساهم في تحفيز الشغل وتوفير فرص الشغل لليد العاملة وبالتالي تحريك الدورة الاقتصادية من جهة أخرى، لذلك يستحسن تضريب الثروة العقارية المجمدة وكذا فرض ضرائب أخرى على المنقولات الأخرى التي تعتبر كمالية كالسيارات الفارهة....الخ.
وهذا مطلب نادى به الفقه في أكثر من مناسبة علمية، أعتقد أن إدخاله في مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2024 يعتبر حلا عمليا أفضل من التعويل على تنزيل المشاريع التنموية بمداخيل الضريبة على القيمة المضافة التي يساهم فيها المستهلك.