بعد مسيرة حافلة استمرت ما يناهز 35 سنة بالوظيفة العمومية، فقدت الإدارة المغربية واحدا من خيرة أطرها وأبرز وجوهها سي حسن بوسلمام، مدير المنافسة والأسعار والمقاصة بوزارة الاقتصاد والمالية، الذي غادرنا إلى دار البقاء متم يناير 2024 بعد وعكة صحية.
الفقيد العزيز تولى مسؤوليات جسيمة همت مجالات ذات حساسية كبيرة مرتبطة بالأسعار وتوازن السوق ومواكبة تفعيل منظومة حماية المستهلك وتأمين متطلبات حياته اليومية والمحافظة على قدرته الشرائية، باعتبارهما أداة أساسية داعمة للاقتصاد الوطني ومعززة للتماسك والاستقرار الاجتماعي، هذا إضافة إلى تتبع الفقيد لنجاعة الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة في مجال الدعم والمنافسة وتمثيله لها على مستوى مجلس المنافسة وغيرها من المهام.
ليعذرني الفقيد إن لم أوفيه حقه من الكلام ومن تعداد مناقبه وعطاءاته وما كان يتميز به من أخلاق رفيعة وقيم نبيلة وكفاءة عالية.
فما من شك أن أي مجتمع من المجتمعات لا يمكن أن ينهض ويرتقي ويتطور إلا برجال مخلصين تشبعوا بقيم الوطنية الحقة وعرفوا معنى التضحية والاستقامة والعفة والإخلاص والنزاهة والعطاء بنكران ذات، ليصبحوا بذلك محط تبجيل.
كان الفقيد من طينة الرجال المخلصين الصادقين الأوفياء، المتميزين بالمثابرة والتفاني في الخدمة. وتأتي شهادتي استحضارا لشخصه الكريم ووفاءا لروحه وتخليدا لعطائه. فهو من أولئك الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمن من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم.
كان لهذا المصاب الجلل الوقع الأليم والحزن العميق لكل من عرفه عن قرب وعايشه وصعب عليه الفراق الطارئ والفقد العظيم.
كان لي شرف التعرف عن قرب على سي حسن بوسلمام بحكم روابط العمل التي كانت تجمعني به، باعتبار أنني كنت رئيس قسم بوزارة الداخلية وكانت مهامي في جزء كبير منها لها صلة بمسؤولياته، ومنها تلك المرتبطة بآليات ضبط مسالك توزيع وإنتاج السلع والمنتوجات وتتبع الأسعار والتموين والضبط القانوني والاقتصادي للسوق وحماية المستهلك وضمان شفافية العلاقات التجارية وغيرها من المهام المرتبطة بضبط الأسواق.
قامت بيننا علاقة شخصية وصداقة متينة امتدت لسنوات. فكان العمل إلى جانبه مطبوع بالشعور بالارتياح الكبير، بحكم تواضعه وبساطته ولباقته وابتسامة الدائمة، وإخلاصه. فكانت يتمتع بجاذبية تدفعك لتقديره واحترامه. فهو رجل المهام الصعبة والملفات الملتهبة. وهذا ما جعله يحظى بثقة وتقدير جل الوزراء وكبار المسؤولين الذين اشتغل إلى جانبهم.
إن وفاة سي حسن بوسلمام خسارة جسيمة لا تخص أسرته الصغيرة فحسب، بل كذلك أصدقاؤه ورفاقه وأطر مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة والإدارة العمومية. رجل عاش متواضعا ومات متواضعا، قدم أروع وأصدق الأمثلة في التفاني في خدمة وطنه بصبر وأناة وجدارة.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا صديقي لمحزونون.