هنأ محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، القضاة الجدد بالثقة التي وضعها الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فيهم، والمسؤولية العظمى التي حملها إياهم، بإسناد مهام تسيير المحاكم إليهم.
وأكد عبد النباوي في كلمة له بمناسبة افتتاح الدورة التكوينية الثالثة للمسؤولين القضائيين الجدد، الإثنين 26 فبراير 2024، أن هذه الثقة، شرف للمجلس الأعلى كذلك، الذي يرجو أن يكون قد أحسن اختياره للقضاة، باعتبارهم النموذج من القضاة الذي تَفَوَّق في مهامه القضائية، وتسلَّح بالقيم الأخلاقية، وهو ما يؤهله اليوم لخوض تجربة أخرى في التسيير الإداري للمحاكم والنيابات العامة، وهي مهمة تُعَلَّق عليها آمال كبيرة لتطوير الأداء القضائي، وتحقيقِ النجاعة والفعالية وكسبِ رهان الثقة في المنظومة القضائية.
وبعد تذكيرهم بالأدوار المناطة بهم كما حددها الملك محمد السادس في خطاباته، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، شدد عبد النباوي على أن هذه الدرر الملكية تبين حجم المسؤولية التي أنيطت بالقضاة بمقتضى هذا الشرف الذي حصلوا عليه.
وزاد المتحدث ذاته قائلا:"ولاشك كذلك أنكم تستحضرون كل التزاماتكم الدستورية والقانونية والأخلاقية، بصفتكم قضاة ومسؤولين قضائيين. وأن استحضار هذه الالتزامات يعتبر أول آليات اشتغالكم في مهامكم الجديدة. وبطبيعة الحال فإن هذه المهام تحتاج منكم استحضار آليات أخرى وإتقانها".
وأفاد أن دور القضاة لم يعد يقتصر، كما كان بالنسبة لقضاةِ يُباشرون المهام القضائية وحدها، وإنما أصبحوا مدعوين لتسيير الإدارة القضائية بمختلف تفرعاتها، وتنوع مهامها بين مهام الإشراف على عمل زملائكم القضاة، وتفعيل آليات النجاعة القضائية فيما يخص تجهيزَ القضايا، وتتَبع سيرِها لاحترام الأجل المعقول للبت، وتسهيل الإجراءات التي تساعد على تثمين الزمن القضائي وتطويرَ أمد الآجال الاسترشادية، ولاسيما ضبطَ إجراءات تبليغ الاستدعاءات والأحكام وباقي الطيات القضائية، وتحسين مساطر تداول الملفات والوثائق داخل المحاكم، وكذلك نقلَها إلى محاكم الطعون، وكلّ ما يهم تنفيذ مقررات القضاة الصادرة بشأن إجراءات التحقيق في الدعاوى، وتحرير وطبع الأحكام والقرارات، وتسليم النسخ للأطراف، وتسريع مختلف إجراءات التقاضي ومختلف مهام الإدارة القضائية الموسومة بالطبيعة القضائية أو المرتبطة بالولوج إلى العدالة .
محمد عبد النباوي أبرز أيضا أن القضاة صارت لديهم مهام مرتبطة بصفة المسؤول القضائي، "لا تتوقف عند هذا الحد المهني، ولكنها تمتد إلى الجانب الإنساني، المرتبط بعلاقتكم مع المحيط، وهو ما يستلزم منكم اكتساب الآليات الملائمة للتعامل مع رؤسائكم ومرؤوسيكم وزملائكم ومع المنتسبين للمهن القضائية والمتقاضين وغيرهم، بالاحترام الواجب، المستمد من القيم الأخلاقية للقضاء، وبالجدية المطلوبة في المساطر المهنية. ولاشك أن تعاملكم مع المتقاضين، سيحظى منكم بنَفَس إنساني، يرمي إلى تفهم ظروفهم واستيعاب إشكالياتهم والسعي لحلها بما يتيحه لهم القانون من حقوق، وما يفرضه عليهم من التزامات".
وأضاف عبد النباوي:"ستكونون مدعوين لتدبير الأزمات الطارئة، وحل الاختلافات المهنية. وهو ما يستدعي منكم نَفَساً آخر يقتضي الحكمة والرزانة والتعقل. وهي قيم من شيم القاضي الناجح، وتُعَدّ بلا شك من الصفات التي لابدَّ أن يتحلى بها المسؤول القضائي للحفاظ على كرامة وسمعة القضاء، وكسب احترام الفرقاء والأطراف، كما خلص إلى أن المهام الجديدة للقضاة متعددة ومتنوعة لا تتوقف عند حدود الإشراف القضائي، وتدبير المراسلات الإدارية، بقدر ما تتطلب منهم الإشراف على سير القضاء في دوائر نفوذكم في كل جزئياته المهنية والأخلاقية. والتدبير الحسن للعلاقات بين الفاعلين والمهتمين.
وزاد لرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية قائلا:"لذلك فلطالما ردَّدْتُ أن مهمة المسؤول القضائي شبيهة بمهمة رئيس المقاولة. مطلوب منه إتقان فنون الإدارة والتسيير، والإلمام بأساليب التأطير والتحفيز، وامتلاك المؤهلات اللازمة لقيادة الفريق، وإجادة تدبير واستعمال الموارد والوسائل، والتوفر على مؤشرات جادة لقياس وتقييم الأداء. لأن غايته هي جودة الإنتاج وتحقيق كسب ثمين، دون المساس باستمرارية المقاولة".
وقال في هذا الصدد:"إذا كان البعض يرى أن نجاح المقاولة يتجلى في الربح المادي ومضاعفة رأس المال، فإن ربح "المقاولة القضائية" هو كسب ثقة المجتمع والمساهمة في بلورة السياسات العمومية، وحماية الأمن والنظام العام في مختلف تجلياتهما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية. وبطبيعة الحال فإن تحقيق هذا المبتغى لن يتم دون التطبيق العادل للقانون، وبشروط الاستقلال والحياد والنزاهة والاستقامة، وإبرازِ الخُلُق الحسَن. وكذلك تحقيق النجاعة القضائية بجودة الأحكام وتقديم الخدمات، وسُرعة إنجازها، وحسن الاستقبال، والتحلي بالصدق والمصداقية، وإجادة الحوار. وهي قيم قضائية سامية، وصفات إنسانية يجيدها القضاة الذين جعلهم الدستور حماة لحقوق الأشخاص والجماعات ولحرياتهم وأمنهم القضائي ومسؤولين عن التطبيق العادل لقانون" .