لماذا ترفض الإدارات العمومية منح موظفيها الحق في الاستفادة من رخصة الأبوة؟

لماذا ترفض الإدارات العمومية منح موظفيها الحق في الاستفادة من رخصة الأبوة؟
رغم أن ظهير 11 غشت 2022، كان واضحا في استفادة الموظفين من رخصة الأبوة، فإن بعض الإدارات تمانع أحيانا في منح هذا الحق لموظفيها، وهو ما يجعل القضاء هو الفيصل في مثل هذه النزاعات.

ففي سابقة مثيرة، أصدرت المحكمة الإدارية بوجدة (شرق المغرب) حكما قضى بإلغاء القرار الصادر عن الإدارة العامة للأمن الوطني برفض استفادة شرطي من رخصة الأبوة المحددة وهي 15 يوما مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.

أهمية الحكم القضائي الذي تنشره "المفكرة القانونية" تبرز في كونه يكرس مبدأ اللجوء إلى القضاء للاستفادة من رخصة الأبوة، أمام رفض بعض القطاعات العمومية التي تخضع لأنظمة قانونية خاصة تمكين موظفيها من الاستفادة منها. 

ملخص القضية 
تعود فصول القضيّة إلى تاريخ 4 أبريل 2023، حينما تقدم شخص بدعوى أمام المحكمة الإدارية بوجدة يعرض فيها أنّه موظف بالأمن منذ سنة 2006، وأنه رُزق مؤخّرا بمولود جديد حسب الثابت من شهادة الميلاد المدلى بها في الملف، وأنه بتاريخ 24 يناير 2023 تقدم بطلب للاستفادة من رخصة الأبوة المنصوص عليها في ظهير 11/08/2022 المتعلّق بتعديل قانون الوظيفة العمومية، والذي ينصّ على أن الموظف الرجل الذي ولد له طفل يستفيد من رخصة عن الأبوة مدتها 15 يوما متصلة ومؤدى عنها، وذلك ابتداء من تاريخ ولادة الطفل. إلا أن طلبه بقي من دون جواب إذ لم تمنحه الإدارة الرخصة المذكورة معتبرا ذلك يشكل قرارا ضمنيا بالرفض، رغم أحقيّته في الاستفادة من الرخصة، ملتمسا إلغاء القرار الضمني للإدارة والقول بأحقيّته في الاستفادة من رخصة الأبوة، مع ما يترتّب عنه من آثار قانونية مع النفاذ المعجل.

وأدلت الجهات المدّعى عليها بمذكرة جوابية التمستْ فيها رفض الطلب، لكونه غير مؤسس قانونا، لأن مجرد التنصيص على الرخصة في القانون لا يكفي لتخويل الموظف صلاحية الحصول عليها بشكل آلي، دون استحضار الإكراهات المادية الموجودة والمتمثلة في ضعف الموارد البشرية والخصاص الموجود في عدد من الموظفين. وهو ما يخوّل الإدارة إعمال سلطتها التقديرية في منح الرخص بجميع أنواعها، خاصة وأن المرفق الأمني يتميز بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتق المنتسبين إليه. 

وأضافت المذكرة أن عدم إفصاح الإدارة عن إرادتها لا يرقى إلى درجة القرار الإداري لكونه لا يمس مركزا قانونيا للطاعن، على اعتبار كون الاستفادة من الرخصة ليست حتميّة وإنما يمكن الاستجابة إليها وفق الظروف التي يعرفها المرفق الأمني. 

موقف المحكمة
استجابت المحكمة الإدارية لطلب المدعي في الحصول على إجازة الأبوة اعتمادا على العلل التالية: 
• المادة الأولى من النظام الأساسي لموظفي الأمن، والتي تؤكد أن موظفي الأمن تسري عليهم أحكام هذا القانون، والنصوص التنظيمية، المتخذة لتطبيقه، فضلا عن مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة التي لا تتعارض معه ومع نصوصه التطبيقية، وهو ما يعني أن قانون الوظيفة العمومية يطبق أيضا على موظفي الأمن باعتباره الشريعة العامة؛ 

• القرار الضمني الصادر عن إدارة الأمن برفض منح المدعي رخصة الأبوة هو قرار مؤثر في مركزه القانوني، لكونه اكتسبه بناء على مقتضيات ظهير 11/08/2022، الذي يخول للموظف العمومي الذي ازداد له مولود جديد الاستفادة من رخصة الأبوة لمدة 15 يوما متصلة، ومدفوعة الأجر، ابتداء من تاريخ ولادة الطفل، ولا مجال للدفع بأن للإدارة سلطة تقديرية في تدبير القرارات التي من شأنها المساس بالركز القانوني للمدعي في ظل نص تشريعي صريح يخول صاحبه حقا مكتسبا. 

وعليه، اعتبرت المحكمة أن الطعن المقدم من طرف المدعي مؤسس قانونا، والقرار المطعون فيه مشوب بعيب مخالفة القانون، ويتعين تبعا لذلك الحكم بإلغائه، مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك. 

تعليق على الحكم القضائي 
يُعيد حكم المحكمة الإدارية بوجدة بخصوص حقّ موظفي الشرطة في الاستفادة من إجازة الأبوة إلى الواجهة إشكالية تعميم الاستفادة من هذا الحق على جميع الموظفين العموميين، فمن المعلوم أن ظهير 2022 أدخل تعديلا على قانون الوظيفة العمومية بموجبه أضحى جميع الموظفين العموميين الخاضعين له متمتعين بالحق في الاستفادة من إجازة 15 يوما مدفوعة الأجر في حالة إنجابهم طفلا جديدا، إلا أن الإشكال طرح على مستوى عدد من القطاعات العمومية التي تحكمها أنظمة قانونية خاصة ومن بينها النظام الأساسي للقضاة، والنظام الأساسي للشرطة، والنظام الأساسي لأساتذة التعليم. 

كان لافتا في هذه القضية أن المدّعي الذي ينتمي إلى سلك الشرطة اختار اللجوء إلى التقاضي ضد إدارة الأمن لتمسكه بحقه في الاستفادة من إجازة الأبوة استنادا إلى قانون الوظيفة العامة باعتباره الشريعة العامة التي تحكم مجال الوظيفة العمومية؛ 

كان لافتا في الحكم، أن المحكمة لم تلتفت للدفع المقدم من طرف الجهات المدعى عليها من اعتبار الاستفادة من حقّ رخصة الأبوة يدخل في إطار السلطة التقديرية للإدارة تقوم بتدبيره وفق طريقة تدبير باقي الرخص الإدارية، واعتبرت أنه أضحى حقا مكتسبا لعموم الموظفين، بمجرد دخول تعديل قانون الوظيفة العمومية حيز التنفيذ.