خَطِيئَة قيس سعيد لا تتجسد فقط في طريقة استقباله لزعيم مليشيات البوليساريو الانفصالية بالشكل الذي استفز مشاعر الشعب المغربي، ولكن تبرز كذلك في عدم حسن تقديره لردة فعل المغرب، فهولم يستوعب بالقدر الكافي درس عملية استقبال اسبانيا لابراهيم غالي وماخلفه ذلك من هزة بالغة في العلاقات الدبلوماسية بين المغرب واسبانيا، كما تتجسد خَطِيئَته ايضا في رضوخه واستسلامه المشين للنظام العسكري الجزائرى.
فما أقدم عليه قيس سعيد ليس مرتبطا فقط بطبيعة شخصيته، وضعف تجربته السياسية وانعدام معرفته الدبلوماسية، فالأمر في الحقيقة هو محصلة سنوات من استباحة أمن واستقرار تونس من طرف النظام العسكري الجزائري ، حتى تقهقرت الدولة أمنيا واقتصاديا بهذا الشكل الفضيع .
وصول قيس سعيد للسلطة، وما تلى ذلك من انقلابه على المؤسسات الدستورية، بمباركة وتشجيع من النظام العسكري الجزائري وفرنسا، وادخال البلد في مسار خطير، حتى صنفت تونس من الدول التي تقف على عتبة الإفلاس، يؤكد أن مرحلة قيس سعيد ليست إلا محصلة لعدة تراكمات اساسها مؤامرة استهدفت افشال تجربة تونس الديمقراطية وادخالها في متاهات الدول الفاشلة ، هذه المؤامرة نسج خيوطها النظام العسكري الجزائري، الذي كان أكثر المتضررين من التطورات الحاصلة في تونس اثر التغييرات التي أحدثها ما يعرف ب "الربيع العربي"، فقد عمل بشتى الوسائل على افشال كل محاولات الشعب التونسي ليتنفس الصعداء بعد ثورته ، وعمل على عرقلة كل مساعيه من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية، وذلك منذ اليوم الأول من سقوط نظام زين العابدين بنعلي .
العمليات الإرهابية والتخريبة المتوالية التي استهدفت تونس خاصة في سنة 2013 وما بعدها، كان الجميع يعلم أن ايادي المخابرات العسكرية الجزائرية هي المسؤولة عنها، بل أن الصحافة التونسية انذاك وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى النظام العسكري الجزائري.
وقد كانت هذه الهجمات الإرهابية والتخريبية سبب امتعاض و احتجاج الدول الغربية على الجزائر، حيث مارست ضغوطا من أجل سجن المسئول السابق لمصلحة مكافحة الإرهاب بجهازالمخابرات العسكرية الجزائري (DRS) الجنرال حسان (إسمه الحقيقي عبد القادر آيت عرابي، امضى خمس سنوات سجنا تم اعيد بعدها إلى منصبه العسكري واستأنف عمله)، وتم حينها توجيه تهم له تتلخص في " تكوين جماعة أشرار وحيازة أسلحة غير مرخص بها، وإخفاء معلومات، وغيرها"، والقيام باسترجاع أسلحة من جماعة إرهابية، دون إخطار القيادة العسكرية.
فضيحة تورط الاستخبارات الجزائرية، عجل كذلك بإقالة رئيس الجهاز الفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق ، نتيجة للضغوط والإحراج الذي حاصر النظام العسكري الجزائري بسبب ثبوت مسؤليته عن عمليات إرهابية خطيرة تمس بدرجة كبيرة مصالح الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.
فقد اهتزت تونس خلال سنة 2013م على وقع عمليتين اغتيال وثلاث هجمات انتحارية وأعمال عنف مسلح استهدفت الجيش بجبال الشعانبي بولاية القصرين، تبنتها "كتيبة عقبة بن نافع" العاملة في شمال مالي والمحسوبة على تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ". عناصر جهاز المخابرات التونسية رفعت تقريرا أنداك إلى الرئيس قايد السبسي، يتضمن اتهاما مباشرا للجنرال الجزائري حسان بكونه كان العقل المدبر لعملية اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد سنة 2013م، وقد قامت الجزائر حينها بإيفاد وزير خارجيتها برفقة ضابط كبير للرئيس التونسي باجي قايد السبسي لنفي هذه التهمة الخطيرة، غير أن الرئيس رفض استقبالهما.
في هذا الصدد، يؤكد حسين المالطي نائب المدير السابق لمؤسسة "سونطراك" الجزائرية، في حديث لصحيفة "لومتان" الجزائرية بتاريخ 06 أكتوبر2015م، أن إقالة الجنرال توفيق جاءت بإلحاح من السلطات الأمريكية، حيث أنه خلال خريف سنة 2013م عثرت قوات الجيش الوطني التونسي على جثث لعدد من الإرهابيين بينهم جزائريان أحدهم بحوزته هاتف متطور، فقامت تونس بتحويله إلى جهاز الاستخبارات الأمريكية لتحليل محتوياته، وحسب المالطي الذي نقلت اعترافاته وسائل إعلام جزائرية، فإن تفريغ محتوى الهاتف المحجوز كشف عن اتصالات متتالية بين عقيد في جهاز الاستخبارات العسكرية الجزائرية والإرهابي، وهو ما عزز من شكوك الاستخبارات الأمريكية من تورط عناصر من الجهاز الجزائري في أعمال إرهابية لا تخدم مصالحها في المنطقة، وقد تحدث حسين المالطي كذلك في وقت سابق لموقع "موند افريك" عن تورط الجنرال توفيق في "عملية عين أميناس" الإرهابية التي استهدفت شركات بترولية غربية كبرى.
وفي نفس الإطار نشرت صحيفة" الشرق الأوسط "، بالعنوان العريض بتاريخ/ 10/11 2015 م على صفحتها الأولى، إتهام لوزير الدفاع التونسي للجزائر بتصدير الإرهاب لتونس، يُحمل من خلاله مسؤولية تنامي النشاط الإرهابي في جبل الشعانبي للجزائر، التي اعتبرها الوزير التونسي "البوابة الرئيسية التي يدخل منها الإرهاب إلى تونس".
وكان الرئيس التونسي انذاك باجي قايد السبسي قد صرّح لقناة فرنسية، في 22 مارس من نفس السنة، بأنه :" كلما يتم توقيف جماعة إرهابية على الأراضي التونسية، نجد قائدها جزائري الجنسية"، ليرد عليه مباشرة وزير الداخلية الجزائري بالقول :" الإرهاب لا يملك جنسية، إنه ظاهرة عالمية ".
محمد الطيار باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية