mardi 6 mai 2025
فن وثقافة

التهامي الوزاني ورحلته بين مسالك الأدب والتصوف والتاريخ 

التهامي الوزاني ورحلته بين مسالك الأدب والتصوف والتاريخ  المرحوم التهامي الوزاني باللباس التقليدي واللباس الأوربي
خصص الزميل الاعلامي عبدالاله التهاني الحلقة الاخيرة من برنامجه" مدارات"، استعرض فيها جوانب من سيرة  الاديب والصوفي المرحوم التهامي الوزاني. " أنفاس بريس"، تقدم قراءة في أبرز مضامين الحلقة التي تم بثها على أمواج الإذاعة الوطنية.
 
■ التهامي الوزاني : حالة نموذج فريد: 
في مستهل حديثه أوضح أن مدينة تطوان، التي أنجبت الرواد من النوابغ واللوامع والأعلام، هي نفسها التي أنجبت نموذجا فريدا ذاع صيته ، وخلدت أعماله وآثاره في تاريخ الثقافة المغربية الحديثة ، ممثلا في المرحوم التهامي الوزاني الذي أصبح جزءا من إرثها الفكري ، واصفا إياه بأنه كان أديبا  وفقيها وصوفيا ، وشخصية سياسية وكاتبا صحفيا ،حيث توزع عقله على عدة ميادين ، وامتد عطاؤه في أكثر من مجال . وفي خضم كل ذلك ، كان قلبه في روضة التصوف، إذ فيها - يقول الزميل التهاني - نما عقل ووجدان الوزاني ، ومن نبعها اغترف واكتسب يقينه الصوفي الذي سيرافقه في كل محطات حياته الحافلة .
 
■ التهامي الوزاني خريج روضة التصوف: 
وأشار معد ومقدم برنامج  "مدارات" إلى أن التهامي الوزاني الذي ولد عام 1903(  أو 1905 وفق تقديرات أخرى) نشأ في بيت لم تكن إلا والدته وجدته ترعيانه وتحرصان على أن يمتلك أكبر نصيب من المعرفة بين أقرانه .
وكما كان الحال في زمانه ، بين العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، تدرج الوزاني في دراسته الاولى ، بين حفظ القرآن الكريم وتعلم قواعد اللغة والدين، وبدل أن يهاجر إلى فاس لمتابعة دراسته الثانوية في جامع القرويين ، على غرار غالبية أبناء جيله ، أو إلى إحدى عواصم الشرق العربي كما جرت العادة بذلك عند أبناء بعض الاسر التطوانية ، عوضا عن ذلك كانت  الاقدار تخبىء للتهامي الوزاني تكوينا آخر شبه عصامي ، من خلال ميوله المبكرة نحو كتب التصوف ، ككتاب " الفتوحات المكية " لابن عربي ،  وكتاب "الفهرس " لابن عجيبة  وسواهما من المؤلفات ، ثم من خلال التحاقه بالزاوية الحراقية بتطوان،  وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره.
وذكر الزميل التهاني إلى أنه في ظلال الزاوية الحراقية ، ستتشكل شخصية التهامي الوزاني ، كشخصية صنعها التصوف وطبعتها أجواء الزاوية ، قبل أن يجذبه الادب الذي تحول عنده إلى مرآة عكست ماسيعيشه في حضرة التصوف وبين المتصوفة من أتباع الزاوية ، معتبرا أن كلمة الزاوية ستصبح هي الوجه لاسم الوزاني ، بعد أن كتب سيرته الذاتية الشهيرة وسماها " الزاوية" ، وستتحول روح التصوف إلى حالة روحية لازمته في مختلف أطوار حياته.
وانتقل الزميل عبدالاله التهاني في حديثه الاذاعي، إلى إبراز إسهامات التهامي الوزاني في نضال الحركة الوطنية بشمال المغرب ، من خلال استحضار دوره في تأسيس الحزب الوطني الذي ترأسه المرحوم عبدالخالق الطريس، وشغل هو عضوية أمانته العامة، إضافة إلى نشاطه المتعدد في العمل الثقافي والجمعوي .
 
■ تراث التهامي الوزاني بين المطبوع والمخطوط : 
وقد توقف معد ومقدم البرنامجة عند المشروع الصحفي الريادي الذي صرف فيه الوزاني جهدا كبيرا، والمتمثل في تأسيسه لصحيفة " الريف" بتطوان ، وجعلها صوتا حرا للدفاع عن كل قضايا الشأن العام ،  الذي يهم منطقة الحماية الاسبانية بشمال المغرب ، حيث واضب فيها على نشر مقالاته الصحفية وإنتاجاته الادبية، التي كان يحرص على نشرها في حلقات متوالية ، قبل طبعها وإصدارها في كتب ، مع إشارته إلى أن إشراف التهامي الوزاني على إصدار صحيفة "الريف"، استمر لمدة 19 سنة ، بداية من 1936 .  
وفي نفس السياق استعرض الزميل التهاني،  مؤلفات التهامي الوزاني ، وفي طليعتها سيرته الذاتية " الزاوية " التي أصدرها عام 1942 ،  وكتابه عن تاريخ المغرب ، الذي نشره سنة 1940، ثم كتابه " فوق الصهوات" الذي أصدره سنة 1943 ، قبل أن يطل على القراء عام 1950 بمؤلفه "سليل الثقلين" المصنف كرواية فلسفية ، والذي أتبعه سنة 1952   بكتابه " الباقة النضرة" الذي شبهه أحد الدارسين بكتاب " النقد الذاتي " للمرحوم علال الفاسي ، نظرا لتشابه مقاصد الكتابين. كما أشار الزميل التهاني إلى مؤلفات أخرى للتهامي الوزاني ، ومنها كتابه " الرحلة الخاطفة " ، وفيه دون مشاهداته ومذكراته عن رحلته إلى مصر عام 1957 ، والتي ظلت حبيسة المخطوط،  ولم يكتب لها أن  تصدر في كتاب إلا سنة 2014  ، ضمن منشورات جمعية" تطوان أسمير "، حيث تولى الناقد الكبير الاستاذ  إبراهيم الخطيب مراجعتها وإعدادها للنشر ، بينما قدم لها الكاتب الرواءي والناقد الكبير  الدكتور محمد برادة،  .
كما أورد معد ومقدم البرنامج ، إلى ماكتبه الوزاني عن المقاومة المسلحة  والحركة الوطنية بشمال المغرب ، وأيضا ما تركه مخطوطا قبل وفاته ، ومن ذلك كتابه الذي سماه " بين صديقين " وكتاب بعنوان " الرفرف"، علاوة على كتابات أخرى ضمنها ترجمته غير الكاملة للنص الادبي الاسباني الشهير " دون كيخوطي" لمؤلفه سرفانتيس، وهي الترجمة التي نشرها على حلقات في جريدته " الريف" .
وذكر الزميل التهاني أن الخزانة العامة بتطوان،  مازالت تحفظ عددا من دفاتره المخطوطة في مواضيع شتى ، منها ما يتعلق بتاريخ الحركة الوطنية 
 
وسجل الزميل عبدالاله التهاني أن الناقد والدارس الادبي الاستاذ إبراهيم الخطيب ، كان له فضل كبير في تجديد الاهتمام بتراث التهامي الوزاني، وأنه كان سباقا في سعيه إلى لفت الانتباه لاخراج ما بقي مخطوطا من كتباته، وضاعف من مبادراته الثقافية ، بغاية تعميق الاهتمام  بشخصية وكتابات التهامي الوزاني .
 
■  سيرة الزاوية وشهرة كاتبها: 
وفي ذات السياق ، سجل معد ومقدم البرنامج أن سيرة "الزاوية" للمرحوم التهامي الوزاني ، حظيت باهتمام خاص من الناقد إبراهيم الخطيب ، إذ كان من أواءل من كتبوا عنها وكرروا الكتابة، استنادا إلى طبعتها الاولى البسيطة الصادرة عام 1942.
كما ذكر أن الاستاذ الخطيب كان وراء تنظيم عدة ندوات فكرية وأدبية ، أعادت إضاءة شخصية وكتابات المرحوم التهامي الوزاني. 
وسجل الزميل الاعلامي عبدالاله التهاني إلى أن سيرة " الزاوية" ، قد حققت للتهامي الوزاني شهرة أدبية، أكثر من باقي مؤلفاته، كما حازت اهتمام وعناية عدد من  النقاد ودارسي الادب المغربي، مستحضرا الندوة الكبرى التي كان اتحاد كتاب المغرب قد خصصها للتهامي الوزاني في نهاية الثمانينات ، وصدرت عروضها ومداخلاتها في كتاب خاص سنة 1988.
ويرى الزميل التهاني أن من أسباب  الاهتمام بكتاب "الزاوية"،كونها نصا أدبيا ينتمي إلى جنس السيرة الذاتية، التي غالبا ما يكون الطابع الحميمي لما يرويه السارد ، جاذبا لاهتمام القراء والنقاد  على حد سواء ، وذلك بدافع التطلع إلى اكتشاف ما يسرده الكاتب الراوي عن تفاصيل مشوقة من أطوار حياته.
وتجدر الاشارة إلى أن هذه الحلقة التوثيقية من برنامج "مدارات" ، قد تضمنت في مقاطعها الاخيرة ، مقتطفات من شهادات عن الاديب والصوفي، والفقيه الوطني المرحوم التهامي الوزاني، أوردها  الزميل عبدالاله التهاني ، منسوبة إلى كل من الكاتب المغربي الكبير، المرحوم عبدالكريم غلاب والناقد إبراهيم الخطيب ، والدكتور إدريس خليفة، وهي شهادات عميقة مكتوبة بلغة راقية، وتلتقي كلها في إضاءة الجوانب الادبية والوطنية والصحفية، وكذا الأبعاد الانسانية والروحية في شخصية المرحوم التهامي الوزاني .