lundi 9 juin 2025
كتاب الرأي

بشري إكدر: قرار البرلمان الأوروبى... ومسؤولية البرلمان المغربي في الرد (2/3 )

بشري إكدر: قرار البرلمان الأوروبى... ومسؤولية البرلمان المغربي في الرد (2/3 ) بشري إكدر
خلصت في الحلقة السابقة إلى أن الرهان على كسب المعارك الوطنية، والتصدي للتحديات الخارجية؛ ينطلق من تأمين الجبهة الداخلية، ومعالجة الاختلالات التي تحول دون انخراط القوى الحية للشعب في هذه التحديات.
وفي الحلقة الثانية أقارب مستوى آخر من تحديات الرد؛ حيث أرى أنه ومن منطلق المعاملة بالمثل فإن البرلمان المغربي بغرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين يتحمل مسؤولية مباشرة في الرد على قرار البرلمان الأوروبى. 
لماذا؟
إنه وبالرجوع إلى حيثيات تصويت البرلمان الأوروبي على القرار الموجه ضد المغرب فيما يتعلق بحريات الصحافة والاعلام  ومتابعة الصحفيين وغيرها...
 يمكن استنطاق بعض المؤشرات في الموضوع.
 فعلى المستوى الإحصائي نجد أن  قرار البرلمان الأوروبي حظي  بموافقة  356 عضوا بالبرلمان الأوروبي مقابل رفض 32 وغياب 42 من إجمالي 430 عضوا.
وهنا لا بد من التذكير أن البرلمان المغربي يضم 392 عضوا ينتخبون مباشرة لولاية مدتها خمس سنوات، في حين يضم مجلس المستشارين 121 عضوا ينتخبون بطريقة غير مباشرة من ممثلي الجماعات المحلية، والمنتخبين في الغرف المهنية، وممثلي المأجورين...
وهو ما يعني أن البرلمان المغربي بغرفتيه يضم 513 برلمانيا مابين نائب ومستشار برلماني، وهنا نجد عدم تكافؤ واضح بين عدد البرلمانيين ببلادنا الذي يبلغ 513 برلمانيا مغربيا،  مقابل 430 عضوا بالبرلمان الأوروبي. 
الحقيقة الماثلة أمامي أن لهذه الأرقام دلالات ومعاني تفيد أن نسبة تفوق تسعة أعشار أعضاء البرلمان الأوروبي تساند القرار...
 وهو ما يجعلنا نتساءل مع برلماننا الموقر الذي يفوق عدد أعضائه الموقرين نظراءهم الأوروبيين أين هي نتائج لجان الصداقة البرلمانية واتحادات اليمين واليسار والوسط والأمميات المختلفة التي تجتمع هنا وهناك من هذا التحدي؟
أما على المستوى السياسي فيمكن المقارنة على مستوى الأثر بين البرلمانين الأوروبي والمغربي؛ ففي الوقت الذي أصدر البرلمان الأوروبى قرارا "يدين" المغرب على مستوى حرية الصحافة ومتابعة الصحفيين ونشطاء الريف وبرنامج التجسس "بيكاسيس" أصدر  البرلمان المغربي بيانا وليس قرارا.
معنى ذلك أن البرلمان الأوروبي يستطيع إصدار قرارات، بينما لا يستطيع البرلمان المغربي فعل نفس الشيء...
 مسألة أخرى لا تقل أهمية عما سبق، وهي أن البرلمان الأوروبي كان بصدد جلسة عامة  بينما عقد البرلمان المغربي بغرفتيه جلسة مشتركة للنظر في كيفية التعامل مع مواقف البرلمان الأوروبي الأخيرة ضد بلادنا.
بمعنى أن الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان المغربي كانت جلسة استثنائية، وليست تقليدا تشريعيا خالصا، ولا تمثل مقتضى دستوريا أو تنظيميا، بل هي مجرد عرف برلماني جرى العمل به كلما عرض عارض للبلاد في أمر جلل كهذا.
أما على مستوى الفعالية، فرغم أن الكثير من المحللين يسير في اتجاه أن قرار البرلمان الأوروبي ليس ملزما، لكن رغم ذلك يبقى للقرار البرلماني الأوروبي قوة وتأثيرا.
فمجرد صدور قرار بهذا الشكل عن مؤسسة أوروبية ليس في صالح المغرب مطلقا، كما أنه قد يكون خطوة في اتجاه موقف جديد قد يصدر عن الاتحاد الأوروبي/ السلطة السياسية الأم لدول أوروبا المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي. 
إنني لست مضطرا إلى التأكيد لهؤلاء أن بيان البرلمان المغربي هو الآخر أيضا ليس ملزما.
وهنا يحق لنا أن نتساءل:
 ما هي الوسائل التي يمكن للبرلمان المغربي اتخاذها للرد على البرلمان الأوروبي؟ وما القرارات التي يمكن أن تصدر عن برلماننا الموقر في هذا الصدد؟
  وهل ستقوم حكومة المملكة المغربية التي تحظى بالأغلبية البرلمانية في مجلسي البرلمان بتبني موقف البرلمان المغربي وإضفاء القوة السياسية اللازمة عليه واتخاذ موقف حكومي/ سيادي ضد أوروبا؟
الواقع يقول إن السياسة الخارجية المتبعة منذ مدة تقتضي أن يتم التعامل بالمثل مع كل طارئ، وأن تتصدى لكل مؤسسة خارجية نظيرتها الوطنية في الترافع و"المواجهة"...
 لكن هنا يلح علي سؤال حارق هل كان بيان/ رد البرلمان المغرب مقنعا، وفي مستوى المرحلة؟
إن بيان البرلمان المغربي الذي جاء ردا على قرار البرلمان الأوروبي، يرسخ لدي مجموعة من القناعات تبين بوضوح بؤس السياسة في مجملها بالشكل الممارَس فعليا،  وضعف العمل والأداء البرلماني ببلادنا، في الوقت الذي يقتضي واقع الحال أن يكون للبرلمان المغربي دور أكبر، وأن يكون على قدر المسؤولية السياسية والأخلاقية المنتظرة منه في المشهد السياسي والعمومي بالبلاد. 
لذلك فالخلاصة المرة التي أجدني  مضطرا لقبولها والتسليم بها، أن التكافؤ بين بيان برلماننا الموقر بمجلسيه الموقرين، وقرار البرلمان الأوروبي منعدم ومفقود، على الأقل حتى هذه اللحظة، لأن البرلمان الأوروبى سيد نفسه ومسؤول عن اختياراته ومواقفه.
رغم انطلاقنا من قاعدة المعاملة بالمثل في مستهل هذا المقال واعتبارنا أن المسؤولية المباشرة للرد تقع على كاهل برلماننا الموقر، إلا أن عوامل كثيرة سياسية وتشريعية، وكذا عوامل أخرى خاصة بطبيعة البرلمان المغربي ووظائفه، تجعل الرد المعبر عنه بعيدا كل البعد عن الاضطلاع بالمسؤولية السياسية والتشريعية والدبلوماسية المطلوبة والمنتظرة.
خلاصة:
تبقى المؤسسة الملكية هي رهان البلاد المعول عليه في مثل هذه المحطات/ التحديات؛ عبر بوابة الدبلوماسية الرسمية بقيادة ملك البلاد الذي من خلال قيادته العديد من المبادرات الدبلوماسية التي قد تبدو "محفوفة بالخطر"، وبروح "المغامرة" في كثير من الأحيان، لكن نتائجها لا بد أن تعود بالنفع على البلاد و قضاياها الوطنية والمصيرية. 
فما هي رهانات و سيناريوهات الدبلوماسية الرسمية للرد؟ 
 
بشري إكدر، باحث وفاعل مدني