تعتبر السياحة من أكثر الصناعات نموا في العالم , نظرا لدورها الاقتصادي والاجتماعي والتنموي وباعتبارها قطاعا إنتاجيا يساهم في زيادة الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات للدول ومصدرا مهما للعملات الأجنبية وسوقا واسعا للشغل ورافعة أساسية للتنمية .
ويلعب القطاع السياحي بالمغرب دورا طلائعي في بلورة النسيج الاقتصادي إذ يساهم بحوالي عشرة (10) بالمائة من الناتج المحلي وعشرين (20) بالمائة من صادرات السلع والخدمات , ويوفر أكثر من 550000الف منصب شغل بنسبة خمسة (5) بالمائة من عدد الساكنة النشيطة , كما يعد من المصادر الأساسية للعملة الصعبة .
وحسب تصريح سابق لوزيرة السياحة والصناعة التقليدية والإدماج الاجتماعي والتضامني السيدة "فاطمة الزهراء عمور" فان عدد السياح الدين توافدوا على المغرب خلال سنة 2022 بلغ إحدى عشرة (11) مليون سائح وهو ما يمثل نسبة استرجاع بحوالي أربعة وثمانين (84) بالمائة مقارنة مع سنة 2019 في الوقت الذي لم يتجاوز معدل الاسترجاع العالمي خمسة وستين (65) بالمائة , كما حققت المداخل السياحية من العملة الصعبة 81.7 مليار درهم بنسبة استرجاع 112 بالمائة , وان هناك توقعات بان يواصل القطاع السياحي بالمغرب إشعاعه وفق المخطط الحكومي الذي يهدف إلى بلوغ 26 مليون سائح في افق سنة 2030 .
وهنا لابد من الإشادة بالدور المحوري الذي يقوم به المرشد السياحي للنهوض بالقطاع ومساهمته الفعالة في إشعاعه , باعتباره يعد " سفيرا داخليا لبلاده " و" إعلاميا متنقلا " للترويج والتعريف بالموروث الحضاري والثقافي للبلاد , وهو كذلك دليل ومرشد للسائح خلال رحلاته وطيلة مدة إقامته ومصدر معلومات تغني ذاكرة السائح التفافية وتخلف لديه انطباع جيد حول البلد مما يحفزه للتفكير في العودة من جديد للزيارة والترويج للمنتوج السياحي المغربي بين أقاربه وأصدقائه ...
وينظم مهنة المرشد السياحي بالمغرب الظهير الشريف رقم 1.12.34 الصادر في 04 سبتمبر 2012 بتنفيذ القانون بتنفيذ القانون رقم 05.12 كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 133.13 والقانون رقم 93.18 والقانون رقم 67.21 وهي القوانين التي جاءت في إطار تفعيل التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة من اجل إحداث فرص الشغل للشباب , ومنح الأشخاص الدين يتوفرون على تجربة في القطاع غير المهيكل فرصة الاندماج في القطاع المهيكل , وهو ما تم تعزيزه كذلك بالقانون رقم 19.22 بتغيير القانون رقم 05.12 المتعلق بتنظيم مهنة المرشد السياحي وذلك في إطار متابعة الإصلاح التنظيمي المتعلق بالمهنة .
وفي هذا السياق كان السيد" مصطفى بايتاس" الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة قد صرح بان هذا القانون يهدف إلى نسخ أحكام الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون رقم 05.12 بما يمكن من تمديد الفترة الانتقالية التي سيتم خلالها تسوية وضعية الأشخاص الدين يتوفرون على كفاءات ميدانية دون شرط التكوين المنصوص عليه في القانون , من سنتين (2) إلى ثمان (8) سنوات أي إلى غاية 07 مارس 2024 .
كما صادق المجلس الحكومي على المرسوم الذي يحدد الشروط الجديدة المؤطرة لمهنة المرشدين السياحيين غير المعتمدين ذوي الكفاءات المشهود بها , وهو ما أكدته الوزارة في موقعها الرسمي , حيت اعتبرت أن اعتماد المرسوم المذكور يتماشى مع المشروع الملكي لتنزيل الجهوية المتقدمة ببلادنا , بحيث تم إقرار نقل تاطير المهنة على المستوى الجهوي وكذلك ترسيم المرشدين السياحيين غير المعتمدين ذوي الكفاءات المشهود بها .
وقد خلفت هذه الالتفاتة الملكية ذات البعد الإنساني والاجتماعي صدا طيبا لدى كل الأوساط المهنية وارتياحا كبيرا لدى شريحة عريضة من المرشدين السياحيين غير النظاميين الذين سيقدمون حتما قيمة مضافة للمهنة بحكم تجربتهم الميدانية وخبرتهم المهنية .
إلا انه وللأسف الشديد عرف تنزيل المقتضيات الجديدة للقوانين المذكورة خلال الفترة الانتقالية الأولى التي استوفت اجلها في 07 مارس 2018 مجموعة من الخروقات والتجاوزات اقل ما يقال عنها بأنها التفاف حول الأهداف الإنسانية والاجتماعية المتوخات , حيت أقدمت الوزارة على تنظيم مبارة مهنية على الصعيد الوطني نظمت بمدينة الرباط ( الكتابي والشفوي ) فتحت من خلالها المجال إلى مجموعة من غير المنتسبين للمهنة المشاركة والنجاح حيت استفاد من هذه العملية حوالي 1108 مرشد منهم 905 كمرشدين سياحيين بالمدن والمدارات الحضرية و203 في الفضاءات الطبيعية في حين تم إقصاء اكتر من 90 بالمائة من المرشدين السياحيين غير المعتمدين الذين هم معنيون بالعملية برمتها ومن اجلهم أصدرت القوانين المذكورة والتي تنص بشكل واضح على الإدماج الفوري لهذه الفئة وإلغاء شرطي التكوين والحد الأقصى للسن مع الاحتفاظ بالشروط الاخرى والمنصوص عليها بالقانون مع تنظيم مقابلات شفهية للوقوف على مؤهلاتهم اللغوية و إدلائهم بشهادة تثبت انه مرشد سياحي غير نظامي وهذا الإشهاد موجود لدى كل من المندوبيات الجهوية للسياحة وأرباب "البازارات " والجمعيات المهنية للمرشدين السياحيين ومصالح الأمن ...تم بعد ذلك تاطيرهم وتأهيلهم لمزاولة المهنة بشكل رسمي .
وقد خلف تدبير الوزارة لهذا الملف انتقادات واسعة لدى كل الأوساط بالقطاع , واحتجاجات كبيرة عمت مختلف المدن السياحية بالمغرب والتي قادتها التنسيقيات الجهوية للمرشدين السياحيين غير المعتمدين , وكان رئيس الجامعة الوطنية للمرشدين السياحيين بالمغرب في احدى تصريحاته الصحفية قد ثمن الالتفاتة الاجتماعية لهذه الفئة من المرشدين وإدماجها في القطاع المهيكل باعتبارها فاعلة في منظومة السياحة المغربية , لكنه في المقابل
انتقد الوزارة لعدم اشراك الجامعة في الموضوع كما طالب بضرورة عقلنة تدبير القطاع في شموليته .
لذلك يتوجب على السيدة الوزيرة التدخل باعتبارها المسؤولية الأولى عن القطاع لإرجاع الأمور إلى نصابها والعمل على التطبيق السليم للمقتضيات التي جاءت بها القوانين المذكورة خلال الفترة الانتقالية الثانية والتي تهدف إلى إنصاف المرشدين السياحيين غير النظاميين وإدماجهم وتاطيرهم .
وفي الختام , فإننا نعتبر قضية المرشدين السياحيين غي النظاميين هي قضية مجتمعية ذات أبعاد إنسانية واجتماعية وان عملية إدماجهم وتسوية وضعيتهم القانونية هي بمثابة ترسيخ لمبدأ المواطنة وتكريس للحكامة الجيدة في تدبير الموارد البشرية لقطاع السياحة ببلدنا .
إدريس الكتامي/ باحث في الشؤون الاقتصادية والقانونية