بعض المؤدلجين من المشايخ والدعاة في عالمنا الإسلامي يفسرون كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم تفسيرا "عسكريا ثوريا دمويا" إن صح التعبير، لا يقبلون منك أي فكرة أو شرح تجنح به إلى السلم والمحبة والتعايش بين كافة البشر؛ بغض النظر عن عقائدهم وأديانهم وقبائلهم وطوائفهم، فبمجرد ما تأتي لهم بهذه الأمور وتغوص معم في فلسفة السلم والسلام والتعايش في الإسلام يبدأون في ترتيل بعض الآيات القرآنية الذين لا يفهمون معانيها وسياقاتها وأسباب نزولها، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المائدة: 51}. فهذه الآية بما تحويه من معان وأسباب نزول هي أبعد ما تكون عما فهمه هؤلاء القوم منها؛ بل إن المسلمين جميعا - منذ نزول الوحي إلى الآن - لم يقل أحد أنه هذه الآية تحرم علينا التعاون و التعامل مع اليهود والنصارى المسالمين للمسلمين، لا أبدا، فالإسلام يربي أبناءه على التعاون والمحبة والتعايش والعطاء في سبيل البر والإحسان والعمل الصالح والتقوى، أي: الخوف من الله، ولا يكون التعاون في الإثم أو العدوان أو إهدار حقوق الآخرين، أوالاعتداء عليهم، وإنما التعاون في سبيل الخير العام والصالح العام، وصالح الإنسانية جمعاء.
ومن المعاني السامية لهذه الآية الكريمة: أنه لا ينبغي أن يحملكم بغض أو كراهية، أوعدوان قوم عليكم، كالذين صدوكم عن المسجد الحرام، فلم تصلوا إليه في عام الحديبية، على أن تقتصوا وتثأروا أو تنتقموا منهم ظلما وعدوانا...فالنهي عن موالاة اليهود والنصارى في هذه الآية وفي غيرها؛ نهي عن نصرتهم في الباطل،لا بد من تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تقدم من بعض الدعاة المؤدلجين لشبابنا المسلم في الداخل والخارج عن قوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.." ويوضح هذا المعنى الامام القرطبي في تفسير هذه الآية فيقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض.. قيل: المراد بها المنافقون، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين، قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون، حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى، وقيل: نزلت في عبادة بن الصامت، وعبد الله بن أبي بن سلول، فتبرأ عبادة - رضي الله عنه - من موالاة اليهود، وتمسك عبد الله بن أبي بن سلول، وقال: إني أخاف أن تدور الدوائر، ولهذا قال - عز وجل - في الآية التالية: "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة" (المائدة:52)، أي أن الآية نزلت بخصوص المنافقين، وفي وقت الحرب، فهي تنهى عن موالاة اليهود والنصارى الذين يناصبون الإسلام العداء فليس من المقبول أن تكون الحرب دائرة بين المسلمين وأعدائهم، ثم يوالي بعض المسلمين هؤلاء الأعداء؛ لأن في ذلك خيانة للإسلام والمسلمين. أما في غير الحرب أو مع اليهود والنصارى المسالمين للإسلام، فإن أساس العلاقة قائم على التعارف والمودة لا القطيعة والخصام يقول عز وجل: "لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " (الممتحنة) .