أكيد أنه ستتفاوت حظوظ الآخذين من الاستماع لقراءة كتاب :"منطق الشرع؛ مسالك الاستدلال العملي عند الأصوليين"، لأستاذ الأصول والمنطق بكلية أصول الدين، الدكتور أحمد مونة، في فضاء مكتبة "مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة" بتطوان، بعد ظهر يوم الثلاثاء 11أبريل 2023.
فهناك في باب الاستمداد، من سيستوقفه قوله في خاتمة تعقيبه على المتدخلين: لو أن المسلمين اشتغلوا بالمنطق بوصفه علما بالعلاقات اللزومية بين الأشياء، لكانوا قد صنعوا الهواتف الذكية، وما شابه من التقنيات. أو قوله : إنه يمكن حل بعض الإشكالات المعاصرة، ومن بينها مدونة الأسرة بإعمال الاستحسان.
وهناك من ستستوقفه قصة هذا الكتاب في باب ديداكتيك البحث العلمي.إذ "الحالة المدنية" ،في أصله كأطروحة جامعية تحت إشراف الدكتور طه عبد الرحمن، تمثل سراج المهتدين في هذا الفن المعرفي، وبما يستلزم من صبر ومثابرة. وهناك من ستستهويه في تشجير تدخلات منصة اللقاء، جاذبية قطوف معرفية دقيقة، لفائدة مختلف الباحثين والمهتمين. وبذلك ،"قد علم كل أُناس مشربهم"، فنعم الورد المورود!.
هذه الأمسية العلمية سهرت عليها، الرابطة المحمدية للعلماء. وقد عبر عن لسان حالها فيها، ونسق فقراتها، الدكتور جمال علال البختي. حيث رحب بالحاضرين، معتبرا هذا العمل، للأستاذ مونة، من الأعمال الرائدة في البحث الأصولي.. كما اعتبر قراءته-بالنظر إلى قيمته الأكاديمية -محطة ومنعطفا استثنائيا لمدينة تطوان..
الدكتور إسماعيل شارية، باسم مؤسسة داود، مع ترحيبه بالحضور، والتعريف بالمؤسسة في مسارات إحياء التراث، والشأن الثقافي والشراكات المؤسساتية، والتنويه بمجهودات الأستاذة حسناء داود في إدارة المؤسسة وإشعاعها، ذكر بداية، بخصال من معه في منصة اللقاء من الزملاء، وخاصة أستاذه الدكتور عبد الواحد العسري، في نوستالجيا درس المنطق بكلية الآداب بمرتيل. ليقف بعد ذلك، على عمق الكتاب في انفتاحه على مناهج البحث القديمة والحديثة..
الأستاذ العسري، المتعدد الاهتمامات، والمتخصص في الاستعراب الإسباني، وأحد شيوخ الفعل الطلابي والسياسي والنقابي والأكاديمي جهويا ووطنيا، "ابن الفقيه"، والصوفي أيضا،كان موضع احتفاء خاص من طرف منسق المنصة وزملائه.
الأستاذ العسري، وهو يشكر الهيآت المنظمة،عبر عن تأثره بما قيل في حقه.واعتبر أنه سيقف عند عتبة القارىء لهذا العمل. فقراءته له، ليست نقدية؛ وذلك تحية وفاء منه للعلاقات الحميمية والمهنية مع صاحبه، وتحية تقدير للمجهود العلمي المبذول فيه. ومع تقريره بقلة الإنتاج في الدراسات الأصولية وقلة الاهتمام بها، اعتبر عمل الأستاذ مونة، بلغته الدقيقة وصرامته المنطقية ،ينطوي على ملامح تلقيح البحث الأصولي المعهود، بمستجدات البحث المعاصر.
وقد توقف عند الفصل الثالث من الكتاب حول "الاستدلال بشرائع الماضين"، حيث عبر عن إعجابه بنحت المصطلح، وبتوليفة مضامينه بصيغة تجديدية.
أما الدكتور خالد زهري، أستاذ علم الكلام بكلية أصول الدين، فيبوح ابتداء، وبعفوية الفعل لديه، بواقع مشاكسته لزميله مونة؛ إذ مجالات المناقشة حادة بينهما، لكن هذه المشاكسة تتحول إلى عناق في مناخ الجامعة، وهي جامعة للاختلاف.
ومع هذا البوح، ذكر بالقواسم المشتركة بينهما، الحاضرة في هذا الكتاب، والمتمثلة في الموقف الإيجابي من المنطق، وضرورته في التعامل مع العلوم في سياق نظرية التكامل المعرفي، والموقف الإيجابي من علم الكلام.. ثم توقف عند تفكيك العنوان الرئيسي والفرعي للكتاب، ليخلص إلى أن من ملامح الإبداع في الكتاب، استفادته من التداوليات المعاصرة واللسانيات. وليعتبر في ضوء تحليله، أن الأستاذ مونة، إمام علوم المعقول في كلية أصول الدين..
وقد تم عقب هذه القراءة، فسح المجال لتدخلات القاعة، مع تعقيب المنصة.لتتم بعد ذلك، عملية توقيع هذا الكتاب، الصادر هذه السنة (2023)، عن مكتبة ووراقة التواصل بتطوان.
ويمثل هذا التأليف - الذي تأخر في الصدور لما يزيد عن عقدين من الزمن-في مستوى انشغالات الدولة المغربية، مرافعة من مداخل غير تقليدية، عن راهنية أصول الفقه المالكي، في استيعاب الإشكالات المعاصرة. وبهذا يكون هذا الانشغال الأكاديمي، تزكية للثوابت المذهبية للبلاد!.
