من المشاكل التي ما تزال تعوق السير العادي للعمل الترابي المحلي، بل وتقف حجرة عثرة أمام العديد من المشاريع والبرامج التنموية، هناك عملية شد الحبل التي يكون أبطالها السادة العمال والولاة ممثلي الحكَومة يعني الإدارة المركزية من جهة ثم المجالس الترابية والجهوية، وعلى رأسها السادة الرؤساء باعتبارهم ممثلي السكان وممثلي الإدارة اللامركزية، وقد يؤدي اختلاف وجهات النظر، كما حدث ويحدث مرارا، إلى تعطل هذه المشاريع وحدوث نزاعات قد تصل إلى القضاء.
السبب في نظري، راجع بالأساس إلى تداخل الاختصاصات وعدم وضوحها بدقة على مستوي الفعل الميداني، وليس فقط علي المستوى القانوني، فتقاطع وتداخل الاختصاص يترتب عنه اختلاف وجهات النظر، لا سيما اذا كان الحس التواصلي وعدم الثقة حاضر بين الجانبين، علما أن ممارسة الاختصاص مرتبط في جانب منه أبضا، بكاريزمة ممثل الحكومة أو ممثل الساكنة حسب الحالات، فأحيانا يكون رجل السلطة ذاته، شخص متدخل ميال إلى الهيمنة، واحيانا يكون ممثل الساكنة مهادن أكثر من اللازم إن لم نقل ضعيفا ومذعورا وسلبيا (لأسباب متعددة ! ).
فهذه السلوكات من العوامل التي تفسر هذه التصادمات، لأن رجل السلطة قد يكون معتادا على سلوك معين في تعامله مع رئيس المجلس داخل مجاب ترابي معين، ولكن عند حدوث تغيير في هذا المجال على مستوى ممارسة السلطة، او عند صعود رؤساء آخرين، قد يحدث الاصطدام بين كلا الطرفين لاختلاف الشخصيات المخالفة لما سبق التعود عليه، ثم لا ننسى عدم الثقة الذي قد يبديه رجل السلطة اتجاه رئيس معين لأسباب متعددة، قد ترجع لتاريخ الرئيس أولسمعته أولعقليته أولكيفية رؤيته وتقييمه للمسؤولية، إلي غير ذلك من أسباب، تجعله دائما محلا للتوجس ولطرح السؤال حول الخلفيات من وراء المشاريع التي يدعو إليها، وهذا هو الآخر سبب كاف لنشوب الصراع...
أعتقد، إذن، أن الحالات عديدة ويصعب حصرها، ولكن سببها الرئيسي يتلخص عموما في الذي أشرنا إليه، فهناك من جهة، عدم الدقة في توزيع الاختصاص، ثم من جهة أخرى، مشكل عدم الثقة وهي أم المصائب التي ابتلي بها واقعنا التدبيري مع الأسف.
فما هو الحل؟
أعتقد أن المشرع ذاته حاول اقتراح الحل، متمثلا في إصدار ميثاق عدم التمركز وميثاق الاستثمار والدعوة الدائمة والمتتالية للملك إلى ضرورة التقيد بمضامينهما وتطبيقهما التطبيق السليم، كونها تندرج في باب توضيح حدود تدخل كل الاطراف في العملية التدبيرية الترابية، وكذا ضبط العلاقة بين ممثلي الإدارة المركزية وممثلي السكان، إلا أن الإلمام بهذه المقتضيات، يقتضي التحلي بالروح الوطنية ونكران الذات وتقديم المصلحة العامة علي الخاصة من كلا الجانبين، ثم ضرورة خضوع السادة الرؤساء علي الخصوص، لدورات تدريبية لفهم هذه المقتضيات وغيرها من قوانين ترابية، من اجل المساعدة على بناء قيادات ترابية محلية، واعية باختصاصاتها، وغير مستعدة على التخلي عنها، ولكن في إطار من التعاون مع السلطة ودون الرغبة المفتعلة أحيانا للدخول معها في صدامات و بطولات عنترية، وهذا لن يتأتى إلا بالتدرب على تقنيات التواصل و التمكن من آليات الترافع والإقناع، مع التحلي بشرطي المواطنة ونظافة اليد، وهذا هو ثاني أكبر مشكل يعاني منه العمل الترابي ببلادنا، ولن يُحل إلا ببلورة ميثاق وطني اخلاقي يتحمل فيه الجميع المسؤولية: الإدارة والأحزاب والقضاء والمواطنون، فالكل مدعو لتطبيق قاعدة ربط المحاسبة بالمسؤولية، من منطق حسن التدبير والدفاع عن قضايا الوطن، وليس من منظور (أعطيني نعطيك/حظيني نحظيك/غمض علي نغمض عليك)..
رشيد لبكر، أستاذ القانون العام كلية الحقوق بالجديدة