lundi 2 juin 2025
كتاب الرأي

سعيد الشفاج: فتنة القراء في رمضان

سعيد الشفاج: فتنة القراء في رمضان سعيد الشفاج
من الطابوهات التي يتجنب الكثيرون الحديث عنها هو تدبير الشأن الديني بالمملكة ويعتبر المسجد الفضاء الحاضن لطقوس العبادة والتقرب إلى الله ومكان تجمع المسلمين لأداء الصلوات الخمس المفروضة. ومن نعم الله على هذا البلد أن حباه الله بإمارة المؤمنين الضامنة لحرية العبادة وتوحيد الله وفق المذهب المالكي وتحت إشراف وتسيير وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. غير أنه إذا جزمنا بأن "المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا" الجن 18 وإذا كان مفروضا على المسلم احترام و توقير بيوت الله بل حتى التزين لها "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" سورة الأعراف الآية 31، فإن ما يثير انتباه البعض و ما يحاول العديد تجنبه هو بعض الظواهر التي اخرجت بيت الله من فضاء للتعبد و التقرب لله تعالى إلى مكان للمنافسة و التباهي بين القراء وهي ظاهرة للأسف انتشرت بالمغرب لأسباب عديدة بتقليد الأصوات المشرقية مع أن القراءة المغربية تعتبر قراءة سليمة من حيث خلوها من الغناء و الإيقاعات الموسيقية المحشوة بلا شعور تحت ذريعة التاثير في السامع. لقد حول هؤلاء القراء القرآن إلى ظاهرة صوتية ينافسون بعضهم البعض ويلحنون في المقامات ويبالغون. مع أن قواعد التجويد ليست شريعة انزلها الله بل هي اجتهاد بشري قابل للخطأ و الصواب. أن ظاهرة التصويت القرآني بالطريقة المشرقية سواء مع القزابري أو الكرعاني أو الإيراوي أو غيرهم (مع ما نكنه من احترام وتقدير لهؤلاء الأئمة في حدود أنهم بشر مثلنا يصيبون ويخطئون)  انزاحت عن الأسلوب المغربي الأصيل وقد سبق للراحل الحسن الثاني رحمه الله أن نبه لذلك وشجع الأئمة والقراء والمؤذنين على النهج المغربي اعتبارا أنه خال من الغناء. 
وقد خلق هذا فتنة صامتة بين الأئمة لأن التنافس في القرآن يجب أن يكون في تدبره وتطبيقه وليس في المد أو الإدغام او القلقلة الخ... 
من الفتن الرمضانية الأخرى والتي بدأت تنتشر في بعض المساجد إمامة الصغار للصلاة وهذا حدث بمسجد الصفا 2 التابع لمندوبية الحي الحسني كمثال مع أن المالكية في شروطها اسقطوا الصغير منها حتى يبلغ الحلم في غياب للقائمين على مراقبة هاته المساجد. فتنة أخرى قد تثير إشكالات عدة وهي مكبرات الصوت التي لا تحترم العجزة و المرضى والصغار علما ان وقت صلاة الصبح يكون عدد المصلين قليلا و يمكن الاستغناء عن المكبرات الخارجية للمسجد. علما أن هناك مهن تضطر بعض الناس إلى القدوم في ساعة متأخرة من الليل كالشرطة والطب وسياقة الأجرة الخ فتقوم هاته المكبرات القوية بحرمان هؤلاء من حق النوم. والذي جعله الله راحة البدن وسلامة للنفس من أجل الاستمرار في عمارة الأرض وبناءها.
إن الإسلام دين جوهر وليس مظهر والقراءة المغربية للقرآن الكريم على مر العصور خرجت مئات الحفاظ وكانت رباط يشد عضد الأمة المغربية ويميزها عن الشرق العربي. لقد أعطى الله تعالى للجار حقوق حتى كاد أن يورثه كما جاء في حديث رسول الله والقائم على بيوت الله حق توقير واحترام العاجز والنائم والصغير والمريض ولن يؤثر خفض صوت المسجد على عدد المسلمين لأن هذا الدين انتشر بالسماحة والعدل واحترام الجار وقدسية المسلم أعلى من قدسية المسجد مهما علا شأنه وقد ثبت ذلك على رسول الله عندما أخبر أن حياة المسلم أكرم من الكعبة رغم عظمتها. "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، سورة البقرة الآية وقوله سبحانه "اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" الآية 3 من سورة البقرة.
إن الشعائر الدينية لا تتعارض مع الحياة المدنية وحقوق الناس في ممارسة اسلوبهم في التقرب الى الله ولا يوجد نهج واحد سوى الاخلاص لله و العمل الصالح. ودور إمارة المؤمنين هي حماية الاختلاف ونبذ الخلاف ونشر النهج المغربي الأصيل الذي ميزنا على اخوتنا بالشرق أو الغرب. بعيدا عن التكفير والعنف والتطرف كيفما كان.
وكل عيد و أنتم بعيدون عن الفتن.