lundi 2 juin 2025
كتاب الرأي

جواد الفشتالي: المغرب وضرورة التعجيل باستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي 

جواد الفشتالي: المغرب وضرورة التعجيل باستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي  جواد الفشتالي
يعيش المغرب منذ الاستقلال مراحل انتقالية هامة في تاريخه السياسي والديمقراطي والحقوقي والاقتصادي، وإذا تمكن بفضل القيادة السامية لجلالة الملك محمد الخامس رحمه الله من النجاح في الانتقال لبسط وتكريس سيادة الدولة على حدودها الوطنية وسلطتها الوطنية بتحقيق الاستقلال، فقد تمكن المغفور له الحسن الثاني من إنجاح الانتقال السياسي والديمقراطي ووضع أسس الاستقرار اللازم لبناء الدولة والأمة، وهو ما ساعد جلالة الملك محمد السادس من إتمام المسيرة وانجاح الانتقال الحقوقي والاقتصادي لجعل المغرب من القوى الإقليمية الناجحة في نموذج الدولة المستقرة اجتماعيا واقتصادية والنامية صناعيا وبيئيا داخل القارة الافريقية.
الا وأنه على غرار ما يتعرض له المجتمع الدولي من تحولات جيوسياسية وجيو قتصادية وأخيرا تكنولوجية، دفع بالعديد من الدولية المتقدمة لإعادة النظر في تحالفاتها وسياساتها الاقتصادية والتكنولوجية لضمان الانتقال السلس في مجرى تحول النظام العالمي بما يحفظ مصالحها الاستراتيجية، وهو الأمر الذي ينبغي ان ينتبه له المغرب بصناع قراره وحكومته ومواطنيه، الا وهو الاعداد والإسراع للانتقال لمجتمع دولي جديد أهم مميزاته نظام قطبي متعدد واقتصاد رقمي في تصاعد وتكنولوجية جديدة هي الذكاء الاصطناعي ترهن تحول وتنافس الدول بسببها، والتي سرعت الازمة الصحية لوباء كوفيد19، والثورة الصناعية الرابعة بنقلها وتأثيرها حتى اصبحنا أمام عصر جديد هو عصر الذكاء الاصطناعي.
فإذا استطاع المغرب أن يتموقع بنجاح وذكاء أمام كل المراحل الانتقالية الداخلية والخارجية المفروضة من المجتمع الدولي، فإن تحدي الانتقال لولوج عصر الذكاء الاصطناعي والاستفادة من فرصه الواعدة ومواجهة تحدياته ومخاطره المتنوعة، ليشكل أكبر وأبرز تحد في هذه المرحلة الدولية الراهنة، ولذلك نجد العديد من الدول سارعت لتبني استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي لمواكبة التحول والتنافس الجيوسياسي العالمي على فرص وتحديات تلك التكنولوجيا، والذي وإن كان في أشده بين القوتين العالميتين الولايات المتحدة الامريكية والصين، الا أن الوعي بأهمية المرحلة الانتقالية لنظام عالمي متعدد يقوم على قدمي الاقتصاد والتكنولوجية الجديدة جعل كل الدول تسارع في انتقالها الرقمي والتكنولوجي بتبنيها تلك الاستراتيجيات لتضمن مقعدا لها على مسرح القوى الفاعلة والمنتجة في العصر الجديد عصر الذكاء الاصطناعي.
يوجد بلدنا المغرب في مرحلة انتقالية جد حساسة، لأنه في الوقت الذي نجد فيه أغلب الدول تسارع بتيني استراتيجيات للذكاء الاصطناعي لولوج المرحلة الرابعة من تطور الحكومات (تماثلية-الكترونية-رقمية-ذكية/ميثافرس)، نجده لايزال في المرحلة التالثة للانتقال الرقمي رغم انخراطه المبكر في ذلك منذ تبنيه للمخطط المغرب الرقمي2013-2009 وصولا لمخططه الأخير2020، والذي انتهى ويمدد العمل به فقط بموجب مذكرة حكومية صدرت حول التوجهات العامة لتطوير التنمية الرقمية أفق2025.
هناك مجهودات كبرى تبدل في صدد ذلك سواء من طرف الوزارة المكلفة بذلك وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، اومن طرف وكالة التنمية الرقمية والتي تعتبر الذكاء الاصطناعي مجرد مشروع ضمن ورش  -وضع منظومة الذكاء الاصطناعي كرافعة للابتكار والتحول الرقمي- وأعلنت عن برنامج واحد ووحيد هو برنامج الخوارزمي لطلب مشاريع بحثية في مجاله، وبغلاف مالي جد محدود 50مليون درهم عام2019.  
إن الاهتمام المتزايد الذي تقيمه الدول لهذه التكنولوجيا وتبرمج لها استراتيجيات وطنية وموارد مالية ضخمة وبنى مؤسساتية وتنظيمية للإشراف على انجاحها، أصبح معيارا لأساس تقدمها وتموقعها المتقدم في المجتمع الدولي، وهو ما أصبح موضوع دراسة وتقييم من طرف مجموعة من المؤسسات والمكاتب الدولية، ويكفي أن نشير لدولة مصر القوة الإقليمية العربية والافريقية المماثلة للمغرب اذ بعد إعلانها عن استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي عام2019، احتلت المرتبة56 وفق مؤسسة أكسفورد Insight and International Development Center حول مؤشر جاهزية الدول للذكاء الاصطناعي عام2020، بينما احتل المغرب الرتبة99 تبعا لنفس التقرير.
يعرف بلدنا المغرب دائما بسمو غايته وأهداف لصالح الوطن ولصالح القارة الافريقية، وإن أراد أن يكون قوة إقليمية صاعدة ورائدة بافريقيا فعيله قراءة وفهم التحولات العالمية الحاصلة سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا، ويعلن عن استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في أقرب وقت بأهداف وطنية وخارجية بما يخدم مصالح وحقوق المواطن المغربي والافريقي، ويضمن استعداده للنضال ومواجهة تحولات وتحديات أكثر شدة لتلك التكنولوجيا على مستقبل العمل وحقوق الانسان وعلى الاقتصاد والصناعة والتعليم والسيادة التكنولوجية للوطن وللقارة الافريقية جمعاء، والتي أعلنت العديد من الدول عن استراتيجيات وطنية وتشريعات قانونية استعدادا لتنظيم التحديات القادمة في حين أن بلدنا مازال لم يلعن عن أي استراتيجية او أي تشريع قانوني وحيد وهو ما أكد عليه تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لمؤسسة ستانفورد لعام2023.
وإذا كان وعي وفكر جلالة الملك كصانع القرار وموجه السياسات الحكومية قد أعلن عن ذلك التوجه ضمن دبلوماسيته الاقتصادية المتميزة في القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي بكيغالي حول منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية 21مارس2018 بقوله:
"(...) لابد كذلك لأي مشروع يروم تنمية القارة الإفريقية ومبادلاتها التجارية أن يأخذ في الحسبان ضرورة مواكبة المستجدات التكنولوجية العالمية، ويحول النقص المسجل في المبادلات داخل قارتنا إلى فرصة حقيقية للنهوض بالتكنولوجيا الرقمية الحديثة(...)".
فقد جدد جلالته ذلك الفكر القيادي والتوجيهي للفاعلين الحكوميين في رسالته السامية للمشاركين في الدورة الأولى لـ"اليوم الوطني للصناعة" التي تحتضنها مدينة الدار البيضاء.2023 بقوله: 
"... ينبغي الاستعداد الكامل لولوج عهد صناعي جديد، يتخذ من مفهوم السيادة هدفاً ووسيلة. ....... يتعين تأمين تكوين جيد للشباب يستجيب للحاجيات والتحولات الجديدة، وينفتح على التكنولوجيات الحديثة، وذلك في إطار شراكة معزَّزة بين القطاعين العام والخاص.
...كما يتوجب أيضاً إرساء آليات المواكبة وتوسيع نطاقها، من أجل تعزيز البنية التحتية التكنولوجية والبحث والتطوير داخل المقاولات المغربية، مع إحداث منظومة تضم القطاع الصناعي والجامعات ومراكز البحث، من أجل دعم الابتكار، وجعله محركاً لنمو الصناعة المغربية...".
في عصر أساسه التحول السريع وإعادة تشكل نظام جديد تسعى كل الدول وحكوماتها للتموقع الفعال كقوى صاعدة ورائدة في محيطها الدولي او الجهوي او القاري، يبقى النجاح في الانتقال الرقمي والتكنولوجي لولوج العصر الجديد عصر الذكاء الاصطناعي رهين بتبني استراتيجية وطنية له واعتماد بنى مؤسساتية وتنظيمية لتنفيذ أهدافها، يبقى كما قلنا أكبر تحد امام الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين والمواطنين للانخراط فيه.
جواد الفشتالي باحث بالقانون العام والعلوم السياسية ومهتم بمستقبل الذكاء الاصطناعي