تحل اليوم الذكرى 42 للأحداث الاجتماعية التي اندلعت يوم 20 يونيو 1981. ففي مثل هذا اليوم لعلع الرصاص الحي في شوارع وأحياء مدينة الدارالبيضاء ليحصد المئات من أرواح مواطنات ومواطنين مغاربة خرجوا عن بكرة أبيهم لممارسة حقهم الطبيعي في التظاهر السلمي احتجاجا على القرار الجائر لحكومة المعطي بوعبيد القاضي برفع أسعار المواد الغذائية الأساسية والذي أعلنت عنه الحكومة في بيان تم نشره يوم 28 ماي 1981.
جاءت هذه الانتفاضة الشعبية ردا على رفع الأسعار وغلاء العيشة وضدا على إمعان الحكومة في الإدعان لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما جاءت الانتفاضة لتعزيز قرار الإضراب الوطني العام الذي دعت إليه المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي تم تنفيذه بنجاح كبير يوم 20 يونيو 1981، حيث استجابت معظم قطاعات الشغيلة المغربية فتعطل العمل في معظم الإدارات والمعامل واغلقت المتاجر فتوقفت معظم الأنشطة الصناعية والتجارية والإدارية والخدماتية بسبب انخراط قطاعات واسعة لاسيما بعد إعلان النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين انخراطها في الإضراب وبسبب مساندة أحزاب الكتلة الديمقراطية وبشكل أساسي وفعال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن طريق جرائده وبواسطة مناضلاته ومناضليه وفريقه البرلماني. كما انخرطت في هذه الانتفاضة فئات واسعة من الطبقات الشعبية لاسيما فئة الشباب.
جاءت هذه الانتفاضة الشعبية ردا على رفع الأسعار وغلاء العيشة وضدا على إمعان الحكومة في الإدعان لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما جاءت الانتفاضة لتعزيز قرار الإضراب الوطني العام الذي دعت إليه المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي تم تنفيذه بنجاح كبير يوم 20 يونيو 1981، حيث استجابت معظم قطاعات الشغيلة المغربية فتعطل العمل في معظم الإدارات والمعامل واغلقت المتاجر فتوقفت معظم الأنشطة الصناعية والتجارية والإدارية والخدماتية بسبب انخراط قطاعات واسعة لاسيما بعد إعلان النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين انخراطها في الإضراب وبسبب مساندة أحزاب الكتلة الديمقراطية وبشكل أساسي وفعال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن طريق جرائده وبواسطة مناضلاته ومناضليه وفريقه البرلماني. كما انخرطت في هذه الانتفاضة فئات واسعة من الطبقات الشعبية لاسيما فئة الشباب.
السياق السياسي والتاريخي:
في 28 ماي 1981 أصدرت حكومة المعطي بوعبيد بيانا يتضمن قرار رفع أسعار عدد من المواد الغذائية. ورغم رفض القرار من طرف أحزاب المعارضة ممثلة في الكتلة الديمقراطية ورغم رفض المركزيات النقابية لسياسة الأمر الواقع بعدم الاستجابة للمطالب الاجتماعية المشروعة لهذه المركزيات، فقد مارست حكومة المعطي بوعبيد كل الضغوطات والتهديدات لمنع حدوث الإضراب حيث جندت المقدمين والشيوخ لتهديد العمال والتجار وكل المواطنات والمواطنين في مختلف الأحياء، بل تم شن حملة اعتقالات تعسفية وإصدار قرارات الطرد والتوقيف في حق المسؤولين النقابيين، حيث أدت سياسة العصى الغليضة التي انتهجتها الحكومة إلى تأجيج الوضع فاندلعت المظاهرات بقوة في مدينة الدار البيضاء وفي بعض المدن الأخرى، فكانت مظاهرات ضخمة وصاخبة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف الفئات والأعمار، حيث جابت الشوارع والأحياء مرددة شعارات مناهضة للغلاء وللسياسيات اللاشعبية للحكومة.
وقد ووجهت هذه الانتفاضة الشعبية العارمة بقمع شرس من طرف قوات الأمن والجيش التي لم تتردد في استعمال الدبابات والطائرات المروحية والرصاص الحي الذي أصاب الضحايا على مستوى الرأس والصدر، حيث استشهد المئات من المتظاهرين وجرح الآلاف واعتقل عشرات الآلاف وحوصرت مقرات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بل وحوصرت مقرات بعض الأحزاب الديمقراطية خاصة مقرات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وصودرت جريدتا ”المحرر” و” ليبراسيون” واعتقل العشرات من المناضلين النقابيين والسياسيين سيما مسؤولي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، واستمرت آلة القمع العسكرية والأمنية في حصد أرواح الأبرياء من المتظاهرين طيلة يوم السبت الأسود 20 يونيو ويوم الأحد 21 يونيو1981، كما تعرض الآلاف للاختطاف والاعتقال التعسفي، حيث تم تكديسهم في الكوميساريات والمقاطعات، ليتعرضوا لأبشع أنواع التعنيف والتعذيب، بل والاختناق خاصة ما حدث في المقاطعة رقم 46 الرهيبة المسماة حاليا بمقاطعة سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، مما جعل العديد من الضحايا يلفظ أنفاسه الأخيرة.
أسباب الانتفاضة:
ويرجع السبب المباشر في اندلاع هذه الأحداث المأساوية إلى ما قامت به حكومة المعطي بوعبيد في عهد الملك المرحوم الحسن الثاني من زيادات مهولة في أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع في صفوف الطبقات الشعبية، حيث أصدرت الحكومة بيانا خلال يوم 28 ماي 1981، أعلنت فيه عزمها على رفع الأسعار وذلك حسب النسب التالية :
الدقيق 40%
– السكر 50%
- الزيت 28 %
- الحليب 14 %
– الزبدة 76 %...
هذه الزيادات التي انضافت إلى زيادات سابقة تمت خلال سنتي 1979 و1980 حيث تضاعف ثمن السكر والزيت مرتين وتضاعف ثمن الحليب والزبدة والدقيق بحوالي ثلاث مرات.
الدقيق 40%
– السكر 50%
- الزيت 28 %
- الحليب 14 %
– الزبدة 76 %...
هذه الزيادات التي انضافت إلى زيادات سابقة تمت خلال سنتي 1979 و1980 حيث تضاعف ثمن السكر والزيت مرتين وتضاعف ثمن الحليب والزبدة والدقيق بحوالي ثلاث مرات.
وقد تمت هذه الزيادات في تحد سافر لمطالب المركزيات النقابية وأحزاب المعارضة المتمثلة في الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وفي عدد من التنظيمات السياسية والمدنية الأخرى. هذه المطالب المتمثلة في تحسين ظروف عيش الطبقة العاملة وكافة الطبقات المسحوقة وربط الزيادات في الأسعار بالزيادة في الأجور والرواتب والمداخيل وتوفير كافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية لهذه الفئات الشعبية ورفض الإذعان لتوجيهات وإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
تدابير قمعية أججت الانتفاضة:
لم تكتف حكومة المعطي بوعبيد وموجهها سيء الذكر إدريس البصري برفض المطالب العادلة والمشروعة للمركزيات النقابية والأحزاب الوطنية والمنظمات الحقوقية، والسير على نهج التنفيذ الحرفي لتوجيهات الدوائر المالية الدولية في إطار ما يسمى بالتقويم الهيكلي، بل نزل خلال يوم 20 يونيو المقدمون والشيوخ والقياد إلى الشوارع والأحياء السكنية للضغط على التجار من أجل فتح دكاكينهم وتهديد العمال والموظفين والسكان بأوخم العواقب في حالة استمرارهم في خوض الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل. وكما سبقت الإشارة فقد تمت محاصرة مقرات الكونفيدرالية.
ومقرات بعض الأحزاب الوطنية سيما مقرات الاتحاد الاشتراكي في الدار البيضاء والرباط ومصادرة جرائد الحزب وتم اختطاف واعتقال العديد من القادة النقابيين والسياسيين، حيث كانت لهذه الإجراءات التعسفية من طرف الحكومة الهادفة إلى تكسير الإضراب وإفشال مفعوله بعد أن تأكدت من نجاحه الكبير ردود أفعال قوية من طرف المواطنات والمواطنين لاسيما الشباب حيث دخل بعضهم في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن مما شكل مطية لجحافل القوات العمومية والجيش من أجل التدخل بعنف مفرط حيث أعطيت التعليمات لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وشن حملات اعتقالات واختطافات واسعة النطاق.
حصيلة العمليات القمعية:
لم تنته عملية القنص في شوارع الدار البيضاء وأحيائها السكنية الشعبية في كل من سيدي البرنوصي والحي المحمدي وعين السبع وابن مسيك وحي الفرح حتى سقط حوالي 1000 شهيد، حسب ما جاء في تقارير منظمات حقوقية، حيث تم جمع جثتهم المتناثرة صباح يوم الأحد 21 يونيو 1981 بواسطة شاحنات الأزبال ورميها في حفر أعدت لهذه الغاية، خاصة تلك الحفرة أو المقبرة الجماعية الشهيرة التي تم اكتشافها بعد انتهاء ولاية هيئة الإنصاف والمصالحة والمتواجدة بإحدى الثكنات العسكرية التابعة لرجال المطافئ بالحي المحمدي بالدار البيضاء .
لم تكتف الحكومة بهذا الحد من القمع الدموي الشرس بل قام وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري بالتشفي في الضحايا وفي عائلاتهم واصفا إياهم ” بشهداء كوميرا “، كما واجه المعطي بوعبيد المضربين والمتظاهرين بالتهديد والوعيد متهما إياهم بالتحريض على المس بأمن وسلامة الدولة وبالأمن العام، وهو ما شكل ذريعة لمحاكمة المئات من الضحايا وإصدار أحكام قاسية ضدهم، بل نتذكر أيضا بعض التصريحات المسيئة والمحرضة ضد المركزيات النقابية.
والأحزاب الديمقراطية وضد بعض مناضليها من طرف أحد المحسوبين على اليسار من داخل قبة البرلمان والذي نرجو له الرحمة والمغفرة.
تداعيات الانتفاضة وامتداداتها:
لقد امتدت آثار ومضاعفات هذه الأحداث الاجتماعية والسياسية وما أعقبها من قمع في الزمان والمكان لتندلع أحداث مماثلة في مراكش وفي عدد من مدن الشمال، خاصة أحداث يوم 19 يناير 1984، وذلك بسبب استمرار الدولة في تبني سياسة التقويم الهيكلي المملاة من طرف الدوائر المالية الدولية وبسبب فرض رسوم على المتمدرسين في مؤسسات التعليم العمومي. ومما زاد الطين بلة تصريحات الملك الراحل الحسن الثاني الذي وصف سكان الشمال المتظاهرين بالأوباش موجها تهديدا مباشرا إليهم وإلى الأطر التعليمية بما في ذلك تهديدهم بالطرد من الوظيفة العمومية.
إن ما قامت به الدولة من إجراءات وتدابير تعسفية لم يعمل على حل الأزمة، بل زاد من تفاقمها وتراكم عواملها
المفجرة مما جعل المغفور له الحسن الثاني في سنة 1996 يتدارك الموقف ويقر أمام البرلمان بأن المغرب أصبح على وشك السكتة القلبية. وهو ما دفعه أمام تنامي السخط الشعبي وتقوية جبهة المعارضة إلى الدفع ببعض الإصلاحات السياسية والدستورية والحقوقية منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي استجابة لمطالب المعارضة السياسية. وفي هذا الصدد نذكر بالتعديلات الدستورية لسنتي 1992 1996 حيث أصبح الدستور يقر بالتزام الدولة باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وبإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بمن فيهم معتقلوا تازمامارت الرهيب وخلق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ثم وزارة حقوق الإنسان والهيئة المستقلة للتحكيم لتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وكلها آليات عملت على معالجة مخلفات سنوات الجمر والرصاص. وفي هذه الأجواء تم تنظيم انتخابات سابقة لأوانها خلال سنة 1997، أفرزت خريطة جديدة تصدرتها أحزاب الكتلة الديمقراطية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مما جعل الملك الراحل يستدعي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي المجاهد عبدالرحمان اليوسفي إلى تشكيل حكومة التناوب. ونعلم في هذا السياق أن المجاهد المرحوم عبدالرحمان اليوسفي الوزير الأول في حكومة التناوب قد أصدر مذكرته الشهيرة القاضية بإرجاع كل المطرودين والموقوفين لأسباب سياسية أو نقابية إلى وظائفهم وتسوية أوضاعهم الإدارية والمالية بمن فيهم ضحايا أحداث 20 يونيو 1981.
كيف عالجت هيئة الإنصاف المصالحة ملف انتفاضة 20 يونيو:
حسب ما قام به المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف كجمعية لضحايا سنوات الجمر والرصاص من متابعات وتحريات لملف أحداث 20 يونيو 1981 أكد المنتدى بأن هيئة الإنصاف والمصالحة قد حاولت بلورة مقاربة مبنية على مبادئ العدالة الانتقالية لمعالجة كافة ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما فيها ملف أحداث 20 يونيو1981. وفي هذا الصدد وارتكازا على مطالب الحركة الحقوقية وعلى رأسها المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، قامت الهيئة في مجال الكشف عن الحقيقة إبان هذه الأحداث المؤلمة، بتحديد مصير بعض المختفين قسرا بمن فيهم الأموات والأحياء. إلا أن جل الضحايا ظل مصيرهم مجهولا إلى يومنا هذا وذلك بسبب عدم تعاون السلطات الأمنية والعسكرية والإدارية مع الهيئة بالشكل المطلوب وبسبب عدم اعتماد تقنية الحامض النووي لتحديد هوية جثث الشهداء الذين تم الكشف عنهم. كما أن جبر الأضرار المادية والمعنوية لم يشمل كل الضحايا وذوي حقوقهم إما بدعوى أن هؤلاء قد وضعوا ملفاتهم لدى الهيئةخارج الآجال أو بسبب عدم الاختصاص. كما أن جبر الضرر الجماعي والمناطقي والمجتمعي لم يكن منصفا وعادلا ومتوازنا بالنسبة لكافة المجموعات وكل المناطق التي تأثرت بشكل كبير من جراء ما شهدته بلادنا من فصول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
أما فيما يخص تدابير وضمانات عدم التكرار، فإن ما شهدته بلادنا من خطوات ايجابية في مجال تحسين المنظومة الدستورية والقانونية والقضائية والأمنية لم يكن كافيا لمنع تكرار مآسي الماضي، حيث نلاحظ بين الفينة والأخرى عودة الانتهاكات وهو ما تشهد عليه تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية سواء بالنسبة لما حدث عقد الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 وفي الحسيمة وجرادة أو ما حدث في العديد من المناطق التي شهدت احتجاجات شعبية. وهذا ما يقتضي في هذه المناسبة التي نحيي فيها ذكرى انتفاضة 20 يونيو المزيد من الإصلاحات والتدابير الجريئة التي من شأنها حماية مستقبل بلادنا من أقدار العودة إلى انتهاكات الماضي ومن أجل توفير كافة الصمانات والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكافة المواطنات والمواطنين في ظل دولة الحق والقانون والمؤسسات الديمقراطية.