هل ماتت الإنسانية بلا جنازة أو صراخ، أم تراها تحتضر؟ أظنها سقطت منا في لحظة خريف غادر تراتبية الفصول. إنسانية تهمشت تحت أقدام الطبيعة بهشاشة مادية وروحية كبيرة لم ينتبه لها العابرون تطغى عليهم اللامبالاة، التي أصبحت كاسحة وتشكل آفة خطيرة. تتمظهر في كل المجالات وعلى كل الأصعدة إلا ما قل ودل وبعض من لديهم بذرة شجرة الإنسانية؛ التي كانت تميزها تلك الثمار المثقلة بالعطاء والسخاء ذات الجذور المتأصلة في أعماق التاريخ والزمن مسقية بالحب بالدم بالكفاح والتضحية، أصبحت حاليا كذاك الجذع المنخور بالسوسة يابسة عيدانه متهاوية أوراقه الخضراء للأسف الإنسان يصبح إنسانا عندما يرجع إلى أصله إلى طبيعته إلى ذاته كيفية خلقه ووجوده يصبح إنسانا تماما بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه فهو بالضرورة كائن اجتماعي لا يمكن له أن يعيش بدون مجتمع ويقدم حياته بالتفاعل مع الأخر لذا خلق الله عز وجل الإنسان بادئ الأمر أزواجا فالتعامل والتحاب من فطرته التي فطر عليها.
فهو بذلك أقرب من إنسانيته إلى شىء آخر فكلمة الإنسان تعني الوناسة عكس الوحش أو الوحشة والمكان الموحش أي المكان الذي يخلو من الإنسان يصبح أقرب إلى الشيطان خصوصا عندما ينهش لحم أخيه حيا أو يعنف الذكر زوجته لفضيا وجسديا أو يرتكب جرائم في حق الطفولة البريئة بالتقتيل والإغتصاب...
عندما نتأمل فسيفساء الحياة نجدها تجسد الإختلال العميق في الجوهر بين مختلف الأطياف البشرية، هناك من يختار أن يكون مع القطيع ويستسلم للسائد والمبتدل والموجود وبالتالي يعيش عبثا وعالة على الإنسانية ويقطع حبل الوريد مع العمق وهناك من يختار أن يكون فاعلا مفكرا متمردا يرسخ لقيم الحرية والاحترام مبدأ تاركا مناطق الراحة لأصحابها فأجمل الأشياء في منظوري هي التي تأتي بعد تعب وكفاح وهزيمة ومثابرة وموت وانبعاث من رماد كطير الفينيق لتترك بصمة وأثرا خالدا للإنسانية للحياة للأمل للحب.