على خلفية تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية للإعلام الإسباني، والتي زعم فيها أن موقف بلاده لم يتغير من قضية الصحراء وأنه هو نفس الموقف في الحكومات السابقة سواء الإشتراكية أو اليمينية..
أعتبر هذا الكلام من رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز غير صحيح، فقد قامت مدريد بمراجعة تاريخية لموقفها من الصحراء المغربية، وهذا التصريح من سانشيز هو موجه للدعاية الإنتخابية ومواجهة مزايدات اليمين واليسار الراديكاليين على حد سواء، لأننا نعلم حضور المغرب الكبير في كل المحطات الإنتخابية باسبانيا من خلال الصور النمطية عن "المورو" والإحالات السلبية المتعددة لهذا المصطلح من عهد الملكة ايزابيلا الكاثوليكية ووصيتها الشهيرة ضد المغرب، إلى عهد الحرب الأهلية التي شارك فيها الجنود المغاربة إلى جانب فرانكو، وصولا إلى تفجيرات مدريد والهجرة غير الشرعية وغيرها. وهذا الحضور المغربي يتم استغلاله كأصل تجاري للمزايدة بين الأحزاب في الحملات الإنتخابية وخاصة التشريعية لاستمالات الناخب الإسباني المحافظ الذي يظل متوجسا من المغرب، وقد اثبتت دراسة علمية قام بها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيحية بالرباط منذ حوالي عشر سنوات أن إسبانيا تأتي في مقدمة الدول التي توجد فيها أعلى نسبة من التمثل السلبي للمغرب عبر العالم رغم قربها الجغرافي.
ولتأكيد أن مدريد قامت بمراجعة جذرية لموقفها؛ يكفي الرجوع إلى الرسالة التي وجهها بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي في 18 مارس 2021،والتي انهت الأزمة بين البلدين على خلفية استقبال "ابن بطوش" بهوية مزورة في اسبانيا. ففي تلك الرسالة، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وهو بذلك خرج من المنطقة الضبابية للمنزلة بين المنزلتين.
وبتفصيل اكثر اذا رجعنا إلى نص الرسالة سنقف على أنها تقدمت نحو الإعتراف بسيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية عبر ثلاثة خطوات:
الخطوة الأولى، جاءت في الفقرة التي يعترف فيها بيدرو سانشيز "بأهمية الصحراء بالنسبة للمغرب"، وفي الخطوة الثانية جاء الإعلان على أن إسبانيا "تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"، حيث أضاف سانشيز اسم التفضيل " الأكثر " إلى المصطلحات التي دأب مجلس الأمن على استعمالها لوصف مبادرة الحكم الذاتي، ثم خلصت الرسالة، في خطوة ثالثة وهي الأخيرة والأهم الى التأكيد على أن "أنه سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الإستقرار والوحدة الترابية للبلدين ".
والحديث هنا عن الوحدة للترابية يهم المغرب ولا يحتمل اي تأويل بما ان اسبانيا غير معنية بتهديد لوحدتها الترابية.
وبهذه الخطوات الثلاث تكون اسبانيا قد تخلت عن سياستها الخارجية السابقة التي كانت تحاول دائما الضغط على المغرب بابقاء ملف الصحراء جرحا مفتوحا لإضعاف موقف الرباط في القضايا الثنائية الأخرى،ومنها سبتة ومليلية والجزر التسعة المحتلة، وملفات الصيد والهجرة والفلاحة والحدود البحرية، الخ.
وبهذه الخطوات الثلاث تكون اسبانيا قد تخلت عن سياستها الخارجية السابقة التي كانت تحاول دائما الضغط على المغرب بابقاء ملف الصحراء جرحا مفتوحا لإضعاف موقف الرباط في القضايا الثنائية الأخرى،ومنها سبتة ومليلية والجزر التسعة المحتلة، وملفات الصيد والهجرة والفلاحة والحدود البحرية، الخ.
وقد كانت آخر محاولة في هذا الصدد هي مساعي وزيرة خارجيتها الأسبق، ارانشا لايا، لإقناع إدارة بايدن بمراجعة الإعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، وهو ما أدى إلى ازمة انتهت باقالة تلك الوزيرة.وكانت السياسة الخارجية الإسبانية قبل منعطف 18 مارس 2021 تتبادل الأدوار مع الجزائر فهذه الاخيرة تدعم الإنفصال علنا عسكريا و
دبلوماسيا وبكل الوسائل الأخرى، بينما مدريد اكتفت بدعم الإنفصال من وراء الستار بما ان الجزائر تقوم بالأدوار القذرة.
دبلوماسيا وبكل الوسائل الأخرى، بينما مدريد اكتفت بدعم الإنفصال من وراء الستار بما ان الجزائر تقوم بالأدوار القذرة.
وكمؤشر آخر على التحول التاريخي في الموقف الإسباني ،هو رد الفعل الجزائري في اليوم الموالي لرسالة سانشيز حيث سحبت الجزائر سفيرها يوم 19 مارس 2021 احتجاجا على ما وصفه بيان الخارجية الجزائرية ب"الإنقلاب" في الموقف الإسباني، وقامت باجراءات متتالية منها تجميد معاهدة الشراكة بين البلدين، واتخاذ إجراءات عقابية ضد الشركات الإسبانية والتهديد باستعمال سلاح الغاز،وغيرها من الردود العدوانية والتي تعتبر تدخلا سافرا ووقحا في الشؤون الإسبانية من قضية تزعم الجزائر انها مجرد بلد ملاحظ فيها وغير معنية بالنزاع..!
أحمد نورالدين/ خبير في العلاقات الدولية