dimanche 25 mai 2025
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل انتهى التواجد الفرنسي بمنطقة  الساحل 

يوسف لهلالي: هل انتهى التواجد الفرنسي بمنطقة  الساحل  يوسف لهلالي
هل انتهى التواجد الفرنسي بمنطقة الساحل، هذا السؤال أصبح يتردد على لسان متتبعي تطورات المنطقة بمن فيهم جزء كبير من الفرنسيين. وبالتالي بدأ النفود الفرنسي يتهاوى بالمنطقة بشكل اسرع  من اسوء التوقعات التي كانت تنشرها بعض مراكز الدراسات الاكاديمية  حول المنطقة. ويبدو ان الازمة والصراع الخفي بين باريس وباماكو، كان الأساس الأول لهذا الانهيار، والذي سبقه  فقدان افريقيا الوسطى التي أصبحت تحت نقود ميلشيات فاغنر الروسية. اليوم الوضع بالنيجر لم يتضح، لكن المطالبة برحيل فرنسا وجيشها واخلاء القواعد هو الطاغي على الأزمة او الجزء البارز منها. او ما تطالب به قادة الانقلاب الجديد.
سلسلة الازمات بمنطقة الساحل، وسلسلة الانقلابات العسكرية التي تشهدها المنطقة، بينت هشاشة الأنظمة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية وبينت رغبة هذه البلدان في  البحث  عن نموذج تنموي  جديد من اجل تطوير وضعها الاقتصادي والخروج من التبعية الأمنية  ومحاربة الحركات المسلحة  سواء باسم الدين  او باسم الاثنيات.
مرت  خمس سنوات على خروج  القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابين فيهما. كما أجبرت فرنسا على سحب جنودها  من إفريقيا الوسطى. فان انقلاب الأسبوع الأخير  في النيجر، اخر القواعد الفرنسية المهمة بالمنطقة لمحاربة  الملشيات الجهادية، هو وضع يضعف سياسة فرنسا بالمنطقة مند وصول الرئيس ايامانويل ماكرون. وهو ما يضعف الوضع الهش بالتشاد الذي مازال يتواجد بها  جنود فرنسيون.
سلسلة الانقلابات العسكرية بالمنطقة زعزعت الاستقرار بالساحل  سواء على المستوى الأمني والسياسي او الاقتصادي، وأعطى صورة سلبية  عن  فرنسا  بالمنطقة والتي لم يعد ينظر لها كبلد صديق  بل بالقوة الاستعمارية  المهيمنة على الأوضاع بالمنطقة، والمسؤولة عن الأنظمة ما بعد الاستعمار بالمنطقة وهو ما عكسته هتافات المؤيدين للانقلاب امام السفارة الفرنسية بالنيجر،  و  صورة العداء لفرنسا بالمنطقة ليست جديدة ، بل بدأت مند الأزمة بالكوت ديفوار  سنة 2001 ولم  ينجو منها بلد مثل السنغال  رغم استقراره  السياسي . موجة العداء لفرنسا هي مستمرة الى الان وتسهل عمل الانقلابيين، وهي وضعية معقدة ليس الروس ووسائل دعايتهم  هم المسؤولون عنها كما يردد  اغلب  الإعلام الفرنسي بل  ان هذا التحول هو  نتيجة  الوضعية الهشة لصورة  فرنسا بالمنطقة التي استفادت منها روسيا وبلدان أخرى من اجل تقوية  نفودها بالمنطقة.
حول هذه الوضعية التي يعيشها النفود الفرنسي بمنطقة الساحل  قالت جريدة  "لوفيغارو"  المحافظة  والقريبة من اليمين الجمهوري المعارض ضمن افتتاحيتها، الأسبوع الماضي، " أن مناهضة الوجود الفرنسي تنتشر كالنار في الهشيم بإفريقيا، حيث أن العلم ثلاثي الألوان يحترق بالفعل في المنطقة.
وأكد كاتب الافتتاحية أن "باريس التي أضحت تلقى الرفض في الشارع وتواجه خطر التصعيد العسكري، ليس لديها خيار سوى ترحيل رعاياها من النيجر"، مضيفا أنه كما هو الحال في جمهورية إفريقيا الوسطى، بوركينا فاسو أو مالي، فإن الأمر يتعلق ببداية رحيل للقوات، ما يمثل "إخفاقا" بالنسبة لإيمانويل ماكرون، الذي ادعى إعادة تصور العلاقة مع إفريقيا.
وتساءل كاتب الافتتاحية قائلا: "ان  باريس ستفقد بالتالي نقطة ارتكازها الرئيسية في الحرب ضد الإرهاب بمنطقة الساحل. هل ستكون هذه هي الضربة القاضية لتأثيرها في القارة الإفريقية، لصالح روسيا ؟''، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ "معطى لا يمكن استبعاده".
خاصة ان النفود الفرنسي أصبح يتقلص بالمنطقة، وأصبح  التواجد الفرنسي مرفوضا بالمنطقة ولم يعد بإمكان الأنظمة بعدد من هذه البلدان ابراز تحالفها مع فرنسا لأنه أصبح مرفوضا وسط الرأي العام لهذه البلدان.
التحليلات المختلفة التي نشرت هذا الأسبوع بالصحافة الفرنسية أجمعت على العلاقة المعقدة التي أصبحت لفرنسا مع مستعمراتها السابقة، وان سياسة فرنسا الافريقية  وصلت الى الباب المسدود بل الإخفاق الكبير في هذه العلاقة والاحساس  داخل البلدان الا فريقية باستمرار سياسة الهيمنة  والاستعلاء الموروثة عن الحقبة  الاستعمارية.
جيرار أرو وهو سفير وديبلوماسي سابق انتقد السياسة الخارجية لفرنسا بالمنطقة، بالقول في احد الافتتاحيات، "إن سياستنا الإفريقية تنهار علينا. دعونا نغيرها بالكامل". 
وفي إشارة إلى "الموجة التي تجتاح المصالح الفرنسية عبر الساحل"، يعتقد جيرار أرو أن "الفرنسيين، الذين عليهم إلقاء اللوم على أنفسهم فقط، لم يفهموا أن حقبة كانت تنتهي على حسابهم".
ويقول الدبلوماسي السابق: "بعيد ا عن جذورها في المصالح التجارية، فإن مشكلة فرنسا في إفريقيا سياسية"، موضحا أن باريس "لم تكن قادرة على قبول أن مستعمراتها السابقة أصبحت مستقلة من الآن فصاعدا وبالتالي تعامل وفقا لذلك".
وختم تحليله بالقول ان "في القرن الحادي والعشرين، لا يعتمد نفوذ أي بلد على زوارقه الحربية ولا على إمبراطوريتها الاستعمارية السابقة. كان يجب أن نفهم هذا منذ وقت طويل."
عدد كبير من السياسيين والديبلولوماسيين بفرنسا اصبح ينتقد بشكل مفتوح السياسية المتبعة من طرف الاليزيه  في منطقة الساحل الافريقي، وان هذه السياسة أصبحت متجاوزة اليوم،  وهي خلاصة فشل سياسة ايمانويل ماكرون في افريقيا ، ورغم انتقاده لهذه السياسة بنفسه لكن لم يغير شيء ا في الواقع، وفي  التعامل مع مستعمراتها السابقة  من خلال سياسة جديدة  تطبعها الندية والشراكة بشكل يراعي مصالح  شعوب المنطقة  وتجاوز سياسة دعم  الأنظمة العسكرية بالمنطقة .لكن هذه الازمة الجديدة  هل  ستكون  فرصة لتغيير جدري لسياسة فرنسا بالمنطقة  ام  ان ما يقع بالمنطقة هو تحول جدري و نهاية  لتواجد الفرنسي  بشكل نهائي بمنطقة الساحل الافريقي ، وهو ما يفتح  المجال لقوى أخرى صاعدة بالمنطقة  على انقاد الإمبراطورية  الاستعمارية لفرنسا، هذه المنطقة التي احتلت المنطقة  في نهاية القرن التاسع عشر لتبدأ بلدان المنطقة  صفحة جديدة في تاريخها الدولي.