samedi 24 mai 2025
كتاب الرأي

الجباري: الحوار ليست إرادة حكومية بل هي التزامات دستورية وتحملات دولية

الجباري: الحوار ليست إرادة حكومية بل هي التزامات دستورية وتحملات دولية إسماعيل الجباري الكرفطي
إن دستور 2011 هو دستور مؤسسات وسياسات، هذه الأبعاد الجديدة تجعل البعد المؤسساتي للدستور محددا لطبيعة اشتغال السلط والمؤسسات وباقي التعبيرات القانونية والمهنية على مستوى بناء القرار التشريعي من خلال الحوار والتشاركية. 

إذن الحوار بين وزارة العدل باعتبارها جزء من السلطة التنفيذية وهيئات المحامين هي علاقات مؤسساتية ودستورية، وليست علاقات تتحكم فيها سياقات ظرفية وأنية.. فإذا كانت مسودة قانون مهنة المحاماة ترتبط بعمل السلطة التنفيذية إذ يتداول مجلس الحكومة طبقا للفصل 32 من الدستور في القضايا والنصوص بشأن سياسات العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، والسياسات العمومية ومشاريع القوانين.. في حين يختص مجلس الوزراء بالتداول في القضايا والنصوص التي حددها الفصل 49 من الدستور كالتوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع القوانين..

فإذا كانت مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة سياسة عمومية تشريعية باعتبارها قرارا عموميا، فيقتضي أن تكون موضوع حوار وتشارك بالمعنى الدستوري من حيث الاتفاق على تحديد المرجعيات والمبادئ الكبرى والتوجهات الأساسية في عملية البناء التشريعي كما هو الشأن في القوانين التنظيمية والتشريعات المرتبطة بمنظومة العدالة ومجال الحقوق والحريات، كالقانون التنظيمي الذي يحدد شروط وكيفيات تقديم ملتمسات في مجال التشريع والقانون التنظيمي الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام لأساسي للقضاة والقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة تأديبهم والقانون التنظيمي المتعلق بقواعد تنظيم المحكمة الدستورية، والقانون التنظيمي بشأن إجراءات الدفع بعدم الدستورية..

هذا المسار التشريعي والتنظيمي كان موضوع حوار وتشارك في حين أن مسودة قانون مهنة المحاماة لم تكن موضوع حوار وتشارك حقيقي، خصوصا وأنها تضمنت توجهات وأنظمة مؤسساتية جديدة تختلف بشكل جدري ونوعي عن القانون الحالي خصوصا المجلس الوطني للمحاماة، والإذن الصادر عن وزير العدل بصفة استثنائية لمكتب المحاماة أجنبي لممارسة المهنة بشأن مشروع استثماري والحضور القوي للمجال التنظيمي على مجال القانون.. إن هاته الأبعاد الجديدة سيكون لها تأثير نوعي في طبيعة البنية المؤسساتية لمهنة المحاماة وتحول نوعي أيضا في طبيعة الممارسة المهنية وبناء القرار المهني وربط الممارسة المهنية بالمكاتب الأجنبية، إذ سيصبح القرار المهني مشتركا بين العديد من التعبيرات المؤسساتية: المجال التنظيمي للحكومة، وزارة العدل، مجالس الهيئات، المجلس الوطني، النقيب، المكاتب الأجنبية. إذن نحن أمام سياسات، تقتضي منا كدفاع إما الانخراط بفعالية على مستوى النقاش العمومي التشريعي عبر تعديلات ومذكرات موضوعاتية لتعزيز استقلالية القرار المهني وتقوية مؤسسة النقيب وتوسيع مجال عمل المحامي، وجعل هذا المسار الجديد التشريعي المرتبط بالتحولات النوعية في مجال ممارسة المحاماة على مستوى تجارب المقارنة، وتمدد البعد الدولي ورهانات مغرب اليوم يتجاوز الممارسة المهنية الحالية باختلالاتها وصعوباتها وتحدياتها، إنه الرهان لنكون في قلب الحدث التشريعي والمؤسساتي وليس على الهامش.

إسماعيل الجباري الكرفطي/باحث ومحامي