samedi 24 mai 2025
كتاب الرأي

تدمري عبد الوهاب: قمة البريكس .. المغرب الغائب الحاضر في جوهانسبورغ

تدمري عبد الوهاب: قمة البريكس .. المغرب الغائب الحاضر في جوهانسبورغ د/ تدمري عبد الوهاب
تشكل مجموعة البريكس حاليا قوة اقتصادية وسياسية مهمة. كما تتمتع بجاذبية كبيرة إزاء دول عالم الجنوب عكسه الاهتمام القوي الذي حظي به مؤتمر القمة الخامس عشرة المنعقد في غشت الماضي بمدينة جوهانسبورغ. مما يدفعنا للقول ان تأسيس هذه المجموعة في يونيو 2009 لم يكن للمزايدة على التكتلات التقليدية للدول الصناعية الكبرى والغربية التي تشترك في ماضيها الاستعماري الذي تحكم، ولازال، في علاقتها بدول الجنوب، والتي رأت فيها دوما مجالا للسيطرة والنفوذ. بل كان يعكس رؤية استشرافية للتحولات التي تشهدها العلاقات الدولية والتي اشرت على بروز قوى عالمية وإقليمية جديدة مناهضة للهيمنة الغربية الأطلسية بأشكالها الاقتصادية والسياسية والثقافية.
1-أثر توازن الردع الاستراتيجي على مجموعة البريكس
أن تحول الصراع الدولي الى صراع استراتيجي واضح المعالم بشقه الاقتصادي والسياسي والحضاري والعسكري. بموازاة تنامي الشراكات بين الدول الرافضة للهيمنة الغربية ضدا على نظام العقوبات حافزها في ذلك ما أظهره هذا الصراع من توازن في قوة الردع لدى الطرفين الذي، دفع بالكثير من دول عالم الجنوب إلى إعلان تحررها من سيطرة الغرب الاستعماري. كما أن تطورات هذا الصراع هي من قوت مجموعة البريكس وجعل من قمتها الخامسة عشرة محط اهتمام دولي واسع.
ودفع بالكثير منها للتعبير عن رغبتها بالانضمام. في مقابل الترقب الحذر للدول الغربية اتجاه التصاعد السريع لقوة المجموعة التي بلغ ناتجها الإجمالي المحلي سنة 2022 (31.5 % )من الناتج العالمي مقابل 30.5 % لمجموعة الدول السبع.
2- قراءة في معايير رفض العضوية:
استحضارا للمشاورات التي سبقت انعقاد القمة خاصة مع العدد الكبير لطلبات الانضمام الى المجموعة التي بلغت 23 طلب. التي اجمعت من خلالها دول المجموعة على منهجية التدرج في عملية التوسيع.
فإن جل المراقبين لهذه العملية أجمعوا على أنها ستشمل خمسة الى ستة أعضاء جدد، متوافق عليهم نظرا لخلو الميثاق المؤسس من معايير محددة ضابطة لعملية التوسيع.
وبهذه العملية تكون مجموعة البريكس قد قعدت عمليا شروط الانضمام إليها مستقبلا والتي يمكن اختصارها كالتالي:
- الالتزام العملي للدول الراغبة بالانضمام للمجموعة بأهداف الميثاق.
-استحضار التمثيل الحضاري والقاري الوازن اقتصاديا للدول المطلوب انضمامها.
-استبعاد كل ما من شأنه ان يزج بالمجموعة في صراعات هامشية تشغل المجموعة عن أهدافها الاستراتيجية.
3-في رفض طلب كل من اندونيسيا والجزائر.
بالرجوع إلى المعايير المستحدثة يمكن فهم عدم قبول طلب أندونيسيا في القمة الأخيرة رغم أنها تمثلت برئيسها وناتجها الإجمالي المحلي يفوق تريليون ومائة مليون دولار.
لكن التردد الذي تبديه اندونيسيا في تطوير شراكتها بالصين. وتوجس الإندونيسيين من الهيمنة الصينية. وانحيازها الصريح لأمريكا في المسائل الامنية والدفاعية عبر صفقات الأسلحة والتدريبات العسكرية المشتركة التي أثمرت قاعدة أمريكية للتدريب البحري على جزيرة "باتام" الواقعة على الحدود البحرية للصين. ونزاعهما على بحر ناتونا الغني بالنفط الذي تعتبره اندونيسيا ضمن مياهها الاقتصادية، الذي كاد أن يتحول إلى نزاع عسكري سنة 2021. كل هذا أثر سلبا على طلبها حاليا. رغم أن المؤشرات التجارية بين البلدين من خلال منظمة آسيان. وآفاق الصراع الاستراتيجي يقربها أكثر من مجموعة البريكس كخيار اقتصادي وسياسي وأمني بديل. وانضمامها يعد مسألة وقت فقط وذلك في انتظار حسم خيارها وحل المشاكل الحدودية بين البلدين.
-في مسألة رفض ملف الجزائر
إن عدم قبول عضوية الجزائر في القمة الأخيرة لم يكن سببه عدم تنوع الاقتصاد الجزائري. ولا لأسباب تتعلق بعدم جدية الجزائر في الالتزام بأهداف المجموعة. ولا لكونها تتبنى الثورية كما يدعي البعض. بل راجع بالأساس الى عدم رغبة دول البريكس إقحام المجموعة في الصراع الذي تقوده الجزائر ضد جارها المغرب، من خلال إيوائها ودعمها لحركة مسلحة انفصالية مطالبة بانفصال جهة الصحراء الغربية، مما يجعلها طرفا مباشرا في الصراع. في الوقت الذي تعاني فيه كل من الهند والصين وروسيا من افة الحركات المسلحة الانفصالية المدعومة خارجيا. ولا استحضر المشاكل الحدودية او السياسية او التجارية التي يسهل حلها بالحوار كما كان الشأن بين السعودية وإيران أو بين دول اخرى عندما تعلو المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة على النزاعات البينية.
علما كذلك أن البلد الذي تعاديه الجزائر، كان سباقا في عقد شراكات استراتيجية مع كل من روسيا والصين والهند منذ بداية الالفية الثالثة. ويكفي التذكير بالزيارات التي قام بها الملك محمد السادس الى كل من موسكو وبكين سنوات 2002 و2016. وزيارة بوتين للرباط سنة 2006 للتأكيد على اسبقية المغرب في تبني خيار الانفتاح على الشرق. قبل ان يشهد هذا الخيار تراجعا انعكس سلبا على الكثير من المشاريع المشتركة الكبرى بما فيها انضمام المغرب الى مشروع الحزام والطريق. وذلك بعد أن قامت الادارة الامريكية في دجنبر 2020 بقطع الطريق على هذا المسار، عبر اعتراف تكتيكي بسيادة المغرب على صحرائه. وهو ما بدأ يتنبه له المغاربة بعد ان تبين عدم ترجمة هذا الموقف في السياسة الخارجية الأمريكية، التي اصطفت مع الحل الأممي للصحراء القاضي بحق تقرير المصير عبر الاستفتاء في اجتماعات للجنة الاممية الرابعة الخاصة بالصحراء المغربية.
لكن رغم هذا التراجع فإن المغرب لازال في موقع المتساوي مع الجزائر في علاقته بدول المجموعة بأرقام متقاربة مع كل من الصين ب 8 مليار دولار. وروسيا والبرازيل ب 3 مليار دولار مع أفضلية اقتصادية بالنسبة الهند التي تجاوز حجم المعاملات التجارية المغربية معها 4 مليار دولار. في حين لم يتجاوز هذا الرقم المليار دولار بالنسبة للجزائر.
-خلاصة:
ان تطور مجريات الصراع الاستراتيجي الحالي حرر الكثير من دول عالم الجنوب من عقدة الخوف من ردة الفعل الامريكية في حال انتهاجها سياسات اقتصادية مستقلة عن إرادتها.
كما أن اعتماد المجموعة مبدأ الشراكات على قاعدة رابح رابح مع احترام سيادة الدول جعل منها قوة جذب للكثير من دول العالم.
إذن على الجزائر والمغرب الشريكين المتقاربين في علاقاتهما التجارية مع مجموعة البريكس بما يناهز 17 مليار دولار حسب آخر إحصائيات 2022، أن يحلا مشاكلها البينية. وعلى الجزائر ان أرادت الالتحاق بالمجموعة أن تغير في نهجها المتبع مع جارها المغرب. اقلها الحياد الإيجابي في ملف الصحراء. مع إغلاق معسكرات جبهة البوليساريو المتواجدة فوق أراضيها التي تهدد السلم والاستقرار الضروريين لتشجيع الاستثمار بالمنطقة. هذا بالإضافة إلى اصلاح اقتصادها حتى لا يبقى حبيسا لتقلبات سوق الطاقة الدولية.
كما على المغرب إعادة تصويب بوصلة علاقاته الخارجية التي كانت تؤهله ليكون من مؤسسي هذه المجموعة الواعدة بآفاقها، لو لم يتراجع في آخر لحظة عن خيار الانفتاح على كل من روسيا والصين الذي توج حينها بتوقيع شراكات استراتيجية بالإضافة إلى موقف الحياد الذي اتخذه المغرب مؤخرا من الحرب الروسية الأوكرانية.
لهذه الأسباب فإن مجموعة بريكس لازالت ترى في المغرب شريكا مهما من الناحية الاقتصادية والتجارية ومدركة للضغوط الأمريكية لثنيه عن هذا الخيار، نظرا لموقعه الجيو استراتيجي على مضيق جبل طارق وباعتباره بوابة أوروبا والغرب على أفريقيا.وهو ما تستوعبه دول مجموعة البريكس التي تقود الصراع الاستراتيجي مع الغرب الأطلسي من أجل عالم متعدد الأقطاب، الذي يشكل فيه التحكم في الممرات المائية للتجارة الدولية إحدى اوجهه الأساسية.