أسدل الستار مؤخرا بإجماع أعضاء المجلس التنفيذي للفيفا باتخاذ قرار تاريخي غير مسبوق يروم منح المغرب شرف تنظيم نهائيات كأس العالم إلى جانب كل من اسبانيا والبرتغال، ولعل الأسباب الكامنة وراء هذه المحطة المركزية لم تكن اعتباطية ، لكن املتها مجموعة من العوامل أهمها النتائج التي حققها المغرب بنهائيات كأس العالم بقطر بوصوله إلى نصف النهاية بعد مقارعة الكبار في عالم كرة القدم ، بالإضافة إلى استقباله لمجموعة من الملتقيات الدولية منها مؤتمرات الفيفا والاتحاد الإفريقي وصندوق النقد الدولي، بالموزاة مع تنظيم مجموعة من التظاهرات الكروية العالمية، يزكيه في ذلك ، موقعه الجغرافي المتميز في قلب البحر الأبيض المتوسط والقرب من أوروبا.
وبعيدا عن البعد الاختزالي لهذا الحدث وحصره في إطاره الرياضي والفرجوي، فإن كرة القدم والرياضة بصفة عامة أصبحت بوابة جذابة لتوطين الاستثمار وخلق فرص الشغل والتموقع الايجابي داخل المنتظم الدولي، للدفاع عن القضايا الكبرى للوطن، لأن عالم اليوم تطغى عليه لغة المصالح، إذا قمنا بتشخيص أطراف معادلة العلاقات الدولية باستحضار التحليل العقلاني بعيدا عن الشحن العاطفي والخطاب الشعبيوي الذي يقوم على دغدغة العواطف لاستمالة الرأي العام دون مقاربة الأحداث بشكل علمي.
وبما أن المناسبة شرط، أثير الكثير من الجدل حول إعادة تجسير العلاقات الثنائية مع إسرائيل بدعوى التطبيع، لكن ان صح هذا الطرح افتراضا، فإنه يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للمغرب، لأن المنظار والمقياس الحقيقي الذي تقاس به طبيعة العلائق مع باقي الدول هو موقفها من القضية الوطنية، وبمفهوم المخالفة وبطرح السؤال النقدي التالي: كيف سيكون موقف الجزائر من إسرائيل إذا اعترفت هذه الأخيرة بجبهة البوليساريو؟ مما لا شك فيه ان الغاز والبترول الجزائري سيتدفق بكل سخاء نحو تل أبيب. وفي علم السياسة إدارة الأزمات وتدبير المخاطر هو فن الممكن والقدرة على التشابك مع الإشكاليات المطروحة بكل جرأة، كما أنه كل ما لم يحرم فهو حلال، لأن الأصل هو الاباحة.
وبناء عليه، لماذا تستعمل الجارة الجزائر كل الأسلحة للدفاع عن مصالحها المشروعة وغير المشروعة مقابل إيجاد منفذ على المحيط الأطلسي؟؟ فمند خمسين عاما وهي تحتضن جبهة البوليساريو، وتمول وتسلح وتدعم وترافع في المحافل الدولية في محاولة يائسة لتحويل الوهم إلى حقيقة دون جدوى!؟
على غرار ذلك وظفت جنوب إفريقيا كل الأسلحة المتاحة لاحتضان نهائيات كأس العالم بما في ذلك البعد الرمزي للمناضل الراحل نيلسون (مانديلا)، أما بخصوص المطامح المشروعة للجزائر تتجسد أساسا في الشعور بالغبن لأنه رغم ان المغرب لا يتمتع بالثروات البترولية والغاز الطبيعي، إلا أنه رغم ذلك ، بصم على موقع متميز على الصعيد الدولي، وأصبح يحظى بالتقدير والاحترام كقوة إقليمية صاعدة، ، فالانتصارات الرياضية والدبلوماسية يمكن توظيفها بشكل آخر بمحاولة إقامة روابط منهجية التقائية ناظمة بين عوامل النجاح واكراهات الفشل، بين نقط القوة ونقط الضعف وبين الممكن والمستحيل.. في أفق التأسيس للمغرب الممكن بهمومه واحلامه بمحاولة ترتيب إصلاح مؤسساتي يمتح من التجارب الرائدة والناجحة لمصلحة التجارب المتعثرة، خاصة على المستوى التنموي والإقلاع الاقتصادي، فتحصين المنجزات والمكاسب رهين بمحاربة الخيبات والإخفاقات دون الالتفات إلى الخصوم، لأن اكبر محفز للنماء ومحاربة الهشاشة هو الاستقرار كرأسمال إنساني باهظ الثمن وقيمة معنوية رمزية مستدامة نفيسة ونادرة.
تأسيسا على ذلك، كان الراحل الحسن الثاني يردد في معظم خطبه ما مفاده ، أن أولئك الذين يريدون استنزاف المغرب وتقسيمه بالاستقواء بجهات خارجية خاب ظنهم وسيخيب، لأن الشعب المغربي بوحدته وتماسكه وتاريخه أفشل كل المخططات ..
وعودة إلى السياق خاصة الطموحات غير المشروعة للجزائر، انها تريد استنبات دولية مجهرية في شمال افريقيا وزرع كيان ومولود لقيط يعاني مجموعة من التشوهات الخلفية القانونية والسياسية في أعماق دول الاتحاد المغاربي ضدا على حتمية التاريخ وبداهة الجغرافيا ، فهي التي تنادي بتقرير المصير تصادر حق شعب القبايل والشعب الجزائري في تقرير مصيره ، كما تدعي انها ليست طرفا في النزاع، إلا أنها طالما طالبت بتقسيم إقليم الصحراء ، وبعد الإعلان بإجماع المكتب التنفيذي على تنظيم المغرب لنهائيات كأس العالم بمشاركة كل من اسبانيا والبرتغال واحتضان نهائيات كأس افريقيا لكرة القدم ستدعي بشكل مكرور أن الفيفا والاتحاد الإفريقي اضحت ملحقة إدارية تحت وصاية المغرب.
ولربط الماضي بالحاضر، ومن وحي التراث يحكى ان رجل بدوي وصديقه كانا يتجولان بالأرياف في ليلة مقمرة فسمعا صوت بعض الكلاب تتبادل النباح فيما بينها بشكل قوي، فسأل البدوي زميله ترى ماذا تقول الكلاب لبعضها البعض؟ فأجاب ربما تقول كفاكم نباحا .
اما الحجاج بن يوسف الثقفي أجاب مرة أحد معارضيه الذي رفع صوته في وجههه أكثر من اللازم متجاوزا حدود اللياقة:(ما ربط جرو إلا عوى) .