jeudi 22 mai 2025
كتاب الرأي

نزهة مزيان: مدونة الأسرة بين المبادئ الكونية والخصوصيات الوطنية (2)

نزهة مزيان: مدونة الأسرة بين المبادئ الكونية والخصوصيات الوطنية (2) د/نزهة مزيان

عالجتُ في الجزء الأول مكانة الأسرة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والاهتمام المتزايد للمنظمات الدولية والإقليمية بالموضوع، والربط ما بين وضعية النساء ووضعية الأطفال والفتيات ووضعية الأسرة ككل، وإمكانيات اصطدام مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفُرَص وعدم التمييز بالخصوصيات المحلية في بعض المجتمعات، والتي قد تحد من اعتمادها بالشكل المطلوب. وتوقفت عند الأسس التي تقوم عليها خصوصياتنا الوطنية، والتوجيهات الملكية بهذا الخصوص.

تتضمن مدونة الأسرة، العديد من مظاهر المساواة التي ينبغي تثمينها، وبعض مظاهر اللامساواة التي تتطلب المعالجة.

فبخصوص مظاهر المساواة في مدونة الأسرة، نُشير مثلا إلى كل من:

1- ... جعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين؛

2- جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها؛

3- مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج، بتوحيده في ثمان عشرة سنة، مع تخويل القاضي إمكانية تخفيضه في الحالات المبررة، وكذلك مساواة البنت والولد المحضونين في بلوغ سن الخامسة عشرة لاختيار الحاضن؛

4- جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة، كل حسب شروطه الشرعية، وبمراقبة القضاء، وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق، بضوابط محددة ... وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة، بتدخل الأسرة والقاضي. وإذا كان الطلاق، بيد الزوج، فإنه يكون بيد الزوجة بالتمليك. وفي جميع الحالات، يراعى حق المرأة المطلقة في الحصول على كافة حقوقها قبل الإذن بالطلاق. وقد تم إقرار مسطرة جديدة للطلاق، تستوجب الإذن المسبق من طرف المحكمة، وعدم تسجيله إلا بعد دفع المبالغ المستحقة للزوجة والأطفال على الزوج. والتنصيص على أنه لا يقبل الطلاق الشفوي في الحالات غير العادية؛

5- توسيع حق المرأة في طلب التطليق، لإخلال الزوج، بشرط من شروط عقد الزواج، أو للإضرار بالزوجة مثل عدم الإنفاق أو الهجر أو العنف، وغيرها من مظاهر الضرر، ... تعزيزا للمساواة والإنصاف بين الزوجين. كما تم إقرار حق الطلاق الاتفاقي تحت مراقبة القاضي؛

6- الحفاظ على حقوق الطفل، بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب في صلب المدونة. فقد تم اعتبار مصلحة الطفل في الحضانة تتم من خلال تخويلها للأم ثم للأب ثم لأم الأم. كما تم جعل توفير سكن لائق للمحضون واجبا مستقلا عن بقية عناصر النفقة، مع الإسراع بالبت في القضايا المتعلقة بالنفقة، في أجل أقصاه شهر واحد؛

7- تخويل الحفيدة والحفيد من جهة الأم، على غرار أبناء الابن، حقهم في حصتهم من تركة جدهم، عملا بالاجتهاد والعدل في الوصية الواجبة؛

8- الاحتفاظ بقاعدة استقلال الذمة المالية لكل منهما، مع إقرار مبدأ جواز الاتفاق بين الزوجين، في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، على وضع إطار لتدبير أموالهما المكتسبة.

إلى غير ذلك من المقتضيات التي تُؤسس للمساواة بين الزوجين.

وبالمناسبة، أشير إلى أن صاحب الجلالة قد أعاد التأكيد على هذا التوجه في آخر خطاب له بهذا الخصوص، وذلك بتاريخ 30 يوليوز 2022 حيث اعتبر "أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال"؛

كما حدد جلالته لتوجه العام لأية تعديلات مرتقبة أن تتم "في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية".

وعلى هذا الأساس، فإنني اعتبر أن آفاق تعديل مدونة الأسرة، ينبغي أن تنصب أساسا على الالتزامات المدنية دون الالتزامات الشرعية التي أكد جلالة الملك على أن عرض مشروع مدونة الأسرة على البرلمان، لأول مرة، تم لما يتضمنه من التزامات مدنية، "علما بأن مقتضياته الشرعية هي من اختصاص أمير المؤمنين"، أي أن أمير المؤمنين سينظر في أي عمل يهم تعديل مدونة الأسرة من هذه الزاوية.

أما بخصوص مظاهر اللامساواة؛

فإنه رغم تعددها، ينبغي الإشارة إلى أن بعضها لا يُمكن مُعالجته لارتباط ذلك بمقتضيات دينية صريحة. إن النقاش العمومي بخصوص هذه المظاهر في مدونة الأسرة، أفرز انقسام المهتمين والمهتمات إلى توجهين رئيسيين:

- توجه "حداثي" يعتبر أن الأسبقية للالتزامات الدولية، والمبادئ "الكونية" باعتبار أن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، وأن جل المبادئ قابلة للتطبيق وأساس منها مبدأي الحرية والمساواة؛

- وتوجه "محافظ" يعتبر أنه لا يمكن اعتماد أية مبادئ تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

إن الأمر هنا يتعلق بثنائية المرجعيات: المرجعية الحقوقية الدولية والمرجعية الدينية الإسلامية، مع وجود مواقف تبحث عن حلول وسطى.

ورغم تعدد المجالات والمواضيع التي هي موضوع خلاف، فإنني سأكتفي ببعض الإشارات التزاما بالوقت المخصص للمداخلة.

فهناك أولا، مسار الطلاق والتطليق، حيث يُلاحظ أن المشرع ميز بين الزوجين في المساطر المتاحة بإنهاء العلاقة الزوجية؛ (فجعل بعض المساطر متاحة للزوجين معا، مثل التطليق للشقاق والطلاق الاتفاقي؛ لكن جعل مساطر أخرى حكرا على الزوجة فقط (وكأن المشرّع يتصور أن هذه الأسباب لا يمكن أن يقدمها الرجال”، مثلا التطليق للغيبة، وهي مسطرة متاحة للنساء فقط)؛

ونُشير أيضا إلى الالتزامات المادية لطرفي العلاقة الزوجية، إذ تنفق المرأة على الأسرة، ولكن المشرّع لا يعترف بواجبها في الإنفاق، إلا في حالة عُسر الزوج ويُسر الزوجة، ووجود أبناء؛ (بينما تكون المرأة في حِلٍّ من الإنفاق في حال عدم وجود أبناء، علما أن المادة الرابعة تتحدث عن كون الأسرة تقع تحت رعاية الزوجين)؛

كما يُمكن الإشارة للتمييز ضد الأطفال وضد المرأة في ما يتعلق بمساطر النسب والبنوة، إذ يكفي الرجلَ أن يقرّ بكونه أبَ طفل نتج عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج، دون حتى الإدلاء باسم أمه، ليُنسب إليه، في حين أن المرأة تعيش معاناة مريرة في سبيل الاعتراف بطفلها، إذا رفض الأب الإقرار بنسبه أو تسجيله في الحالة المدنية؛ (ذلك أنها حتى إذا لجأت إلى طلب الخبرة الجينية يُطلب منها إثبات شرعية العلاقة، وهو ما لا يُطلب من الرجل، ومن ثم يُسمح بنسب الطفل اعتمادا على اعتراف الأب، ولا يسمح بنسبه إلى أمه استنادا إلى الخبرة الجينية)؛

إن تعدد الأمثلة، والاختلاف بشأنها، جعل بعض التوجهات تُشير بشكل مباشر وصريح إلى مجالات أوسع مما ذكرته أعلاه، من قبيل مثلا الدعوة لمراجعة “المقتضيات التمييزية في مدونة الأسرة، من خلال حذف المادة 148، التي تَعتبر البنوّة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب، واعتبار الخبرة الجينية سببا لحق النسب، واعتبار النيابة الشرعية حقا مشتركا بين الأبوين أثناء قيام العلاقة الزوجية وبعد انتهائها، وحذف اختلاف الدين كمانع من الزواج أو من الميراث، وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث”..

وفي الأخير؛

أشير إلى أنه إلى جانب الخصوصيات ذات الطابع الوطني، فإن هناك عادات وتقاليد ذات طابع جهوي أو محلي لا زال معمولا بها. وبهذه المناسبة أحيي المرأة المغربية على المكانة التي وصلتها داخل الأسرة وداخل المجتمع، وأتمنى أن يتم العمل على تدوين ونشر كل ما يتعلق بالممارسات الإيجابية للمرأة المغربية حتى تتم الاستفادة منها في أية إصلاحات قادمة.

ملاحظة:

أصل المقالة: مداخلتي بعيون الساقية الحمراء بتاريخ 11 مارس 2023

في إطار ندوة للمعهد الدولي للدراسات الصحراوية

 

نزهة مزيان، دكتورة في الحقوق (وزارة العدل)