عبد اللطيف قيلش
تبدو باريز حية وميتة، حمالة لثنائية ظاهرة وباطنة، واضحة وغامضة. باريز التاريخ المشرق المليء بالأحداث ..
تفاصيل التاريخ صنعت مجد الأنوار، راهن باريز، وهو راهن فرنسا، يسائل الموروث. ماذا تبقى من عنفوان النهضة؟ ماذا تبقى من حقوق الإنسان؟ ماذا تبقى من القيم الكونية ؟ماذا تبقى من العقل؟ ماذا تبقى من مبادئ الحرية والمساواة والإخاء؟ ماذا تبقى من ألتوسير وفولتير وزولا وهيجو وسارتر وبارت وفوكو وبورديو ؟؟..
تبدو فرنسا غارقة في بئر الإستهلاك، أسيرة الرأسمال المتوحش. فرنسا التنوير والتسامح مستسلمة للعقل الكولونيالي والعنصري ومعاداة المهاجرين فرنسا ضد اليمين المتطرف، فرنسا القامعة للحريات والتظاهرات، صناع قرار فرنسا لايستسيغون كل صوت داعم ومساند للقضية الفلسطينية فرنسا لا تزعجها البربرية الصهيونية، ولايزعجها الإحتلال ولا التقتيل اليومي للأبرياء والأطفال والمدنيين، ولا إجهاض النساء، فرنسا العنصرية تحرك إعلامها المكتوب والسمعي والبصري لنشر التضليل والتعتيم والكراهية موظفة، أبواق المهرولين والمستفيدين، منهم من حول وطنه ومعاناة مهاجريه إلى بطاقة فولكلورية معروضة أمام السياح دون احترام للمشاعر ولقدسية الحميمية، بحثا عن الجوائز.من طبيعة ووظيفة العقل النبش في العلاقة السببية وربط العلة بالمعلول،العقل لايقف على النتائج العلاج يتصدى للجذور. فرنسا تحتاج لإعادة الإعتبار للتنوير وللعقل، وفرنسا غير معزولة عن العالم. فالبشرية لا خبار أمامها ،فإما التنوير بالمعنى الكانطي حيث إعمال العقل، وإما الهمجية وهي خطوة نحو الدمار الشامل. حتى نبيذ وعطور وألبسة وشوارع فرنسا، فقدت كينونتها حين باتت معزولة عن نسقها.الجمال فقد معناه حين تسللت إليه الأزبال وروائحها التفكير فقد طاقته حين عطلته شاشات الهواتف المكتبات والمتاحف قل عشاقها، مساحات القراء والمهتمين تضيق. إنه قدر سلطة الديموغرافية والأمر ليس استثناء. هو تحول في البنيان وولادة الكائن الاستهلاكي. كل الظواهر والمشاعر بما فيها الفرح ومتعة الحياة تخفي أزمات عميقة، أزمة الوحدة والعزلة والغربة والقلق، إنه قلق الحضارة الجديدة التي تتشكل على قواعد جديدة .ومع ذلك تظل الحرية صامدة لأنها ممتدة في الزمان والمكان، أينما وليت تجد آثارها وروادها والأوفياء لها.حين تتجذر الفكرة في العقل والوجدان والمكان والزمان والهواء يصعب اقتلاعها، فهي سلوك وتفكير ونمط حياة ،ولغة مرئية ولامرئية. لذلك تقاوم وسلاحها، رصيدها التاريخي المتراكم والمتنقل عبر الأجيال..
