dimanche 4 mai 2025
سياسة

سعاد سيناصر: عدم اعتراف الجزائر بجرائمها اتجاه المغاربة المطرودين يزيد من ألم الفاجعة الإنسانية

سعاد سيناصر: عدم اعتراف الجزائر بجرائمها اتجاه المغاربة المطرودين يزيد من ألم الفاجعة الإنسانية سعاد سيناصر
إذا كانت القوانين الدولية تعطي الحق للضحايا في النسيان، فإن المغاربة ضحايا الترحيل القسري من الجزائر بعد مرور 48 سنة، يرفضون النسيان، وكل سنة وبالضبط في شهر دجنبر يستحضرون ما وقع لهم في خضم تخليد عيد الأضحى، عشرات الآلاف من المغاربة، كانوا يقيمون بشكل قانوني، تم اقتحام بيوتهم ومصادرة ممتلكاتهم، وتشتيت أسرهم، وترحيلهم وكأنهم مجرمين نحو الحدود المغربية الجزائرية، ردا على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء. 
شيوخ وأطفال ونساء ومرضى، لم يدر بخلدهم يوما، أنهم ذات يوم سيقع لهم ما وقع، وقد كانوا يعيشون بسلام وأمن، بل من المرحلين تعسفا، من حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي، وآوى المقاومة الجزائرية، حتى نالت هذه الأخيرة استقلالها، لكن ولحسابات انتقامية، قام نظام المقبور، بجريمته الإنسانية، بعد أن رأى ورأى العالم كله، مسيرة خضراء اجتمع فيها مغاربة الشمال لاسترجاع اراضي الجنوب..
بعد 48 سنة، هل ما زال الجرح عميقا؟ وما رسالة الضحايا بعد قرابة نصف قرن؟
جريدة "
أنفاس بريس" تنشر شهادات صادمة للضحايا:
 
ما‭ ‬زلت‭ ‬أتذكر،‭ ‬وأنا‭ ‬طفلة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭ ‬بوجدة،‭ ‬عندما‭ ‬التحق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬بداية‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬1975‬وبالضبط‭ ‬في‭ ‬دجنبر،‭ ‬كانوا‭ ‬مندهشين‭ ‬ويحملون‭ ‬آثار‭ ‬الصدمة،‭ ‬كانوا‭ ‬شبه‭ ‬منعزلين‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬المدرسي‭. ‬ليخبرنا‭ ‬الأستاذ‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمغاربة‭ ‬مطرودين‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬أطفالهم‭. ‬لم‭ ‬نستوعب‭ ‬أبعاد‭ ‬ذلك،‭ ‬وهناك‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬انقطع‭ ‬عن‭ ‬الدراسة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفرقت‭ ‬بأسرهم‭ ‬السبل‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية،‭ ‬فكيك،‭ ‬بوعرفة،‭ ‬تنغير‭.. ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬48‭ ‬سنة،‭ ‬وكأن‭ ‬الأحداث‭ ‬مرتبطة‭ ‬بواقعنا‭ ‬الحالي،‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور،‭ ‬لايملكون‭ ‬من‭ ‬الملابس‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يرتدون،‭ ‬وأباء‭ ‬وأمهات‭ ‬في‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬الخيام،‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الرئيسي‭ ‬لوجدة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬منطقة‭ ‬زوج‭ ‬بغال،‭ ‬كانت‭ ‬الحافلات‭ ‬تمر‭ ‬تحمل‭ ‬أناسا‭ ‬نعرفهم‭ ‬بحكم‭ ‬الجوار‭ ‬الجغرافي،‭ ‬يتحدثون‭ ‬لهجتنا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬مأساوية،‭ ‬لم‭ ‬يذنبوا‭ ‬أو‭ ‬يرتكبوا‭ ‬جريمة‭ ‬ليتعامل‭ ‬معهم‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المروع،‭ ‬هي‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬ضيقة‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬عشت‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬البيت،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مغاربة‭ ‬الجزائر‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬وبعدها،‭ ‬حديث‭ ‬الألسن‭ ‬في‭ ‬وجدة‭ ‬وعموم‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭. ‬كنا‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬الضحايا‭ ‬باسم‭ ‬المهاجرين،‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬كباقي‭ ‬الأطفال،‭ ‬وجوههم‭ ‬شاحبة،‭ ‬يحاولون‭ ‬إخفاء‭ ‬تفاصيل‭ ‬ما‭ ‬عاشوه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الباردة،‭ ‬أبصارهم‭ ‬شاخصة،‭ ‬وكأنهم‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ألعابنا‭ ‬كانوا‭ ‬يكتفون‭ ‬بالتفرج،‭ ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬بدأوا‭ ‬يندمجون،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭.‬
سنة‭ ‬2019‭ ‬وعند‭ ‬اختياري‭ ‬لموضوع‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وجهتني‭ ‬الأستاذة‭ ‬المشرفة‭ ‬لاختيار‭ ‬موضوع‭ ‬مغاربة‭ ‬الجزائر‭ ‬المهجرين،‭ ‬ضمن‭ ‬سلك‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يومها،‭ ‬اليوم‭ ‬كبروا‭ ‬وبدأ‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬ومشاهداته‭. ‬وابتداء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2010،‭ ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬مع‭ ‬سالم‭ ‬مقران،‭ ‬ومحمد‭ ‬الشرفاوي،‭ ‬وبدأت‭ ‬الجمعيات‭ ‬تتأسس‭ ‬للضحايا‭ ‬مطالبة‭ ‬بالإنصاف‭. ‬وبدأت‭ ‬القضية‭ ‬تتسع‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬غرضها‭ ‬الأساسي‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الذاكرة‭. ‬وبدأت‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬تثير‭ ‬اهتمام‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬والجمعويين‭ ‬والطلبة‭ ‬الباحثين،‭ ‬ومنهم‭ ‬أنا،‭ ‬حيث‭ ‬أنجزت‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭.‬
ماشي‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬الإنسان‭ ‬للحكرة،‭ ‬ماشي‭ ‬ساهل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬طردك‭ ‬وأنت‭ ‬عشت‭ ‬لسنوات‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬اعتقدت‭ ‬أنك‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬تاريخيا‭ ‬ومواطناتيا،‭ ‬ماشي‭ ‬سهل‭ ‬أنك‭ ‬تنسى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬رمشة‭ ‬عين‭. ‬لهذا‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬ويكون‭ ‬مادة‭ ‬تاريخية‭ ‬تدرس‭ ‬ضمن‭ ‬حالات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬المأساة‭. ‬والخطير‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬48‭ ‬سنة،‭ ‬ترفض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وترفض‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬الضحايا،‭ ‬وهذا‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬الفاجعة‭ ‬الإنسانية‭. ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬اعتذار‭ ‬ألمانيا‭ ‬لمستعمراتها‭ ‬السابقة‭.‬
 
سعاد سيناصر، أستاذة جامعية